. . كل عيد أضحى يشتري والدي خروف العيد ، يربطه في الركن الترابي بمنزلنا القديم ،الأيام الأولى أتفادى الاقتراب منه ، ببراءة الطفولة تجذبني نحوه ألفة العشرة ، تعطيني أمّي قطعة خبز أركض إليه ، أشرع في تقطيع الخبز . أرمي إليه النتف الصغيرة ببطء وأتوقف . ينظرإليّ بصبر الخرفان ، يمأمأ ، ينتظرني صاغرًاحتى أقضم منها ملأ فمي ، لأفتت له من جديد، وهكذا بعد كل شبع ، يتتبع حركة أصابعي بما أجود عليه ، جدّتي ترقبني من بعيد ، تقترب مني ، تبتسم وتقول لي : –
– الشبعان يفتت للجعان { تفتيتًا بطيء ! }
كبرت ، طحنتني الحياة . ذبت ملحًا في اصطفافات الانتظار اليومية ، هذا اليوم في الصّف الثعباني مع المزدحمين على أبواب ، وأرصفة المصارف منتظرين قطرات السيولة، تذكرت خرافنا التي ذبحناها على مر السنوات ، ،سلخنا جلودها،أكلنالحمها، وقددنا بعضه، بين غفوة يأس ، وصحوة أمل ، وحرقة شمس،رأيت فيما رأيت جميع الكبارالنافذين، المتخمين بالشبع ، المؤطرين بالبدل ،الغائبين بالسفر ، المتألقين بالقنوات، يطيرون فوقنا ، في عالمهم غير المرئي ، من أعلى، يفتتون لنا التفتيت البطيء ، وسط الازدحام شققت طريقي تائهًاعبر الشوارع أمأمأ مثل خروف شارد تلاحقه آلاف السكاكين .