ضربة سكين حادة سريعة شقت ملابسه وفتحت بطنه.
يداه لامستا الجرح الأفقي الطويل . وغاصتا في نعومة وحرارة الجرح .
هَلَعَ وتهاوت ساقاه إزاء ملمس بطنه المبقورة.
استيقظ، تحسس بطنه بيده، استعاد ألفة الملامسة، لبطن مشدود الجلد وتنهد بارتياح ثم عاد فارتاع لمجرد التفكير في قدرة السكين الهائلة على الذبح، في العنف الضاري، البارد في شفرته، وفي شهوته الشيطانية للحم.
***
تذكر. يوم عيد الذبح، خروف العيد مربوط في فناء البيت. يعود أبوه من الجامع وضاءً في (جرده) الأبيض يتضوع منه المسك، يدخل إلى غرفته يبدل ثيابه ويخرج رجلا ً آخر في ثياب قديمة يأتزر بقماش رث. يخرج من حقيبة مدرسية قديمة سكاكين عدة للذبح والسلخ والتقطيع.
يتحسس شفراتها بحذر. يأتي بسطل تراب يشكله حوضاً صغيراً. ويتقدم نحو الخروف المربوط .
قليلا ً من الغبار ويرى الخروف أسقط على جنبه وأوثق وجرَّ إلى حوض التراب يلهث وينتفض ويطلق صياحاً عالياً (هل كان ينادي السكين) .
سكين الذبح أمضى السكاكين وأطولها في يد أبيه.
– تعال تفرج. تعرف الذبح .
متخيلاً السكين على عنقه هو، يظل بعيداً يراقب .
مضى السكين في العنق. شخب الخروف دمه، رأى نافورة الدم القاني تفر من مساربها الساخنة وتضيع مشكلة بركة صغيرة في الحوض الترابي يتصاعد منها بخار خفبف لروح تتلاشى.
سكن الخروف ثم انتفض بعنف والوثاق يشد قوائمه.
سمع أمه تقول:
– يا نويرتي يطلَّع في الروح .
تتجلط بركة الدم ، يصمت عنق الخروف عن الحشرجة والنزف. يفك أبوه الوثاق عن القوائم فتندُّ عنها حركة ضعيفة.
تأتي بإبريق الماء تصبه وأصابع أبيه تغسل السكين بعناية فيعود نظيفاً وبارداً ، ويغسل عنق الذبيحة … من الإبريق ينزل الماء شفافاً (الماء والإبريق نفسه الذي يتوضأ منه).
ينزل على العنق المدمَّى ويتناثر سائل ليس دما ً ولا ماء.
ويد أبيه ترفع رأس الذبيحة بعينه المفتوحة ولسانه الوردي معضوض في إطباقة الفكين .
كتلة صوف هامدة يزحزحها أبوه إلى موضع جاف، وفي رجل المؤخرة يُدخل عصا ً بين الجلد واللحم، يخرج العصا ويضع فمه على الفتحة وينفخ بقوة زافرا ً أنفاسه تحت جلد الذبيحة، قوة أنفاسه تعيد تشكيلها ؛ تستقيم الأرجل ينتفخ جلد البطن والصدر والكيس الصغير بكرتيه يكاد ينفجر، وتبدأ السلخ سكين أصغر وأكثر دربة .
تقطع الأرجل من عراقيبها وتفرد البطانة وقد سلخت – تظل متصلة بالجسد من العنق – ويسمع طقطقة عظام الرقبة وهي تلوى .
الذبيحة معلقة تتأرجح والدم يقطر من العنق والبطانة البيضاء مفرودة يتوسطها رأس الذبيحة وأرجلها الأربع بأظلافها السوداء الملوثة بالزبل .
أمه خلف كانون الفحم قد رمت على النار كبد وقلب الذبيحة . تنغَّم ندائها :
– قرب خذ (شواية).
فيقبل وقد جذبته رائحة الشواء جذبة (الجاوي) (1) (للعيساوي) (2) يقضم بأسنانه قطعة من الكبد لم تجفف النار دمها.
***
هلعا ً من قدرة السكين الهائلة على الذبح نشطت ذاكرته.
(كان يلعب محاولاً صنع سيف خشبي أخطأ فأصاب السكين سبابته بجرح كاد يقطعها، كيف أخطأ؟ ولم كانت سبابته تحت السكين في تلك البرهة، أثمة جذب بين اللحم والسكين؟ رغبة عميقة للحياة النامية في سبابته للقطع! لما يشكل فتحا ً لمعرفة جديدة هي موت !؟) .
(الأيام الأولى لاستخدام شفرة الحلاقة. أمام المرآة وجهه اليافع غطته رغوة بيضاء والشفرة تقطع تفجرات الرجولة من ذقنه. يخطئ يجرح وجهه ويرى امتزاج حمرة الدم بالرغوة البيضاء، ويتعلم قوانين اللعبة، لعبة السكين واللحم).
***
في مغطس الحمام والماء يغمر جسده الممتد تساءل :
– على أي شيء تغذى جسدي حتى صار بهذا الحجم ؟
في بخار الماء الحار، تخيل أرواح أبقار وخرفان وطيور تطالب باسترداد أجسادها من جسده، ويداه تتحسسان بطنه .
***
تجنب المرور أمام دكاكين الجزارة، وإذا اضطر تجنب النظر وحبس أنفاسه كي لا يشم رائحة اللحم المذبوح.
***
ببطء يلوك بين فكيه الخبز وحبة الطماطم، حاسبا ً الزمن الكافي لإحلال النبات محل الحيوان من جسده.
***
رأى نفسه وسط مأدبة يأكل لحما ً ويشرب دما ً مسلوخا ً من ملابسه، يده تمسك بسكين حاد تشق بطنه .
استيقظ مذعورا ً مخنوقا ً بالصراخ ويداه تغوصان في نعومة الجرح وحرارة الدم.