قصة

خديجـــار

 

(استدراك: أننا نخطئ في اسم النار، والتأريخ لاكتشافها)

لم أخشَ شيئاً اسمه النار، تجذبني ألوانها المتناسقة المتعددة المتداخلة في لون واحد، فأدنو منها، أتأملها وأعجب أن يكون هذا الشيء الجميل مصدر افتراس..

في المساءات الموحشة وحين يطبق الليل على أرواح من حولي وتفترسني الوحدة تبدو ذبالة الضوء الواهنة الحزينة الحائرة ترتعش في خجل عذراء كتوم تتأوه في أسى وحرقة، أحس أنفاسها تلهب مشاعري فتبدد وحشتي ويضيء خيالي مزداناً بالأزرق والأخضر والأحمر والأصفر والأبيض مشكلاً من الألوان ألواناً لورود تشرق في مساحة عمري وقد استعارت ألوانها من ألوان النار.

في أخريات الصيف والعام عام جفاف اكتشفت النار، كان ذلك قرب وادي (بو عليا) (أمام ضريح سيدي عمورة) قبل ذلك اليوم لم أعرف من النار إلا دموعها حين اجتمعت أختي وثلاثُ عُنَّس، وحفرن ثلاث حفر ملأنها بالماء وانتظرن بوله أي من الحفر تستبق في ابتلاع الماء وكانت حفرة (خديجة) آخر الحُفر فقد ظلت ممتلئة إلى حافتها بالماء، لم أفهم اللعبة إلا متأخراً، لكنني اكتشفت شيئاً يشبه النار لقد بكت (خديجة) بدموع حارة سمعتها تنطفئ في حفرة الماء وأحسب أنني توهمت ذبالة أذكاها الماء فانتقدت.

كانت البنات يسرّين عن (خديجة) وهن لا يخفين استبشارهن بحسن الطالع، وحدها (خديجة) ظلت تشتعل، زارت كل الأضرحة وصنعت ألف تميمة وفي تلك الليلة دون غيرها من الليالي وربما جاءها المَلَكُ وأمرها بحفر (زمزم) لقد حلمتْ بسيدي عمورة. فكان المزار.

رأيتها تُطلق البخور وتتمتم بدعاء حزين، خرجت أمها من المقام بعد أن عفرت رأسها بالتراب وقبَّلت الضريح وأطلقت الدعاء، وخديجة التحمت بالقبر وأطالت الدعاء ونسيت كل شيء حتى سَمِعْت نهيق حمار مع صوت أمها تدعوها لأن تقتبس من موقد البخور ناراً، خرجت تحمل جمرة نارٍ ملفوفة في قطعة ورق، وأمام مدخل المقام تجمَّدت في مكانها ولم تقوّ على الحراك، رأت الحمار يطارد أتانه وقد ضجّت في عروقه نار الشهوة، رأيتها تحاول أن تلم شفتيها لتنفخ النار، لكن تلتقيا، رأيتهما تتباعدان بمساحة عمرها المفعم بالشوق والالتياع.

سقطت الجمرة على الأرض واشتعلت النار في الحشائش الجافة وزحفت على الوديان تدفعها رياح القبلي في كل اتجاه، وشفتا خديجة تتباعدان ولعابها يسيل على النار يزيدها اشتعالاً.

هرع الجميع لإطفاء النار وهم يرددون:

– خطيئة الحمار أفسدت كل شيء..

لكن أحداً لم يرَ جمرة تتقد ولهباً يتصاعد راسماً كل الألوان لم يروا شيئاً اسمه (خديجار).

 _________________________________________________

 خديجار..الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، ط1/1998

مقالات ذات علاقة

كم ديكا في الحظيرة

سعيد العريبي

كوابيس

المشرف العام

الحفرة

علي فنير

اترك تعليق