الشاعرة: حواء القمودي
قراءات

قراءة لنص (إنهم ينتظرون قصيدة ) للشاعرة حواء القمودي

الشاعرة: حواء القمودي
الشاعرة حواء القمودي

النص:

إنهم ينتظرون قصيدة” ..

انهم في انتظارك

يسمونك قصيدة جديدة

يترقبون هطولك في روحي

تشكل قسماتك بين يدي

وأنا فاغرة القلب

أرقب هذا العالم الخرب ينهار

الدم يغطي البياض

والصلوات لم تعد تعرف .. أين تذهب

وأنا انتظرك

وأتسمع وقع خطواتك الواجفة

نعم

هذا العالم صار مقبرة

لكن الشمس تشرق والنسائم تداعب خدود الصبايا

والبحر لايغادر زرقته

والخطيفات تخبرني أن طفولتي مخبوءة تحت جناحها

وثمة ولد يترقب قبلة من فم حبيبته الشهي

هناك الكثير من الحب

والجمال

والضوء

لذا يمكنك الهطول

والطيران

والمشي حافية

فأنا أكتبك

أقاوم الخراب بك

وأرسم عالما بهيا تضيؤه قصيدة

قصيدة ينتظرونها

الشاعرة :

حواء القمودي الحافي، شاعرة ليبية كانت تنشر نصوصها الشعرية بإسم مستعار. إلى جانب الشعر تكتب حواء النقد ،وتمارس الكتابة الصحفية .تحصلت على ليسانس في اللغة العربية وتواصل دراستها العليا حول المرأة في الشعر الليبي. مهنيا عملت حواء القمودي معلمة بمدارس طرابلس ،وأشرفت على الملف الاجتماعي الذي كانت تصدرة مجلة البيت ، وكانت عضوا بالملف الثقافي بمجلة المؤتمر الليبية،كما ترأست تحرير مجلة الامل.

القراءة:

ذكرتني قصيدة حواء القمودي إنهم ينتظرون قصيدة” بما قاله الشاعر والمسرحي الامريكي توماس إليوت من “إن للشعر

ثلاثة أصوات: صوت الشاعر الذي ينقل تجربته الشخصية للمتلقي وكأنه يكلمه،وصوت الشخصيات التي تدخل التركيب البنائي للقصيدة، وصوت الجماعة التي تخاطب الشاعر، ولابد من هذه الاصوات الثلاثة لتتحقق الغاية النهائية من العمل الشعري” وأحسب أن الشاعرة قد تمثّلت دعوة إليوت هذه خير تمثيل ،وسعت لتحقيقها ونجحت في ذلك بشكل متفاوت

وتعد تجربة الشاعرة حواء القمودي في هذه القصيدة تجربة شعرية صادقة بالغة العمق ،تحمل في مجملها رسالة هامة وهي تصور معاناة الأنسان ، وحالته النفسية المتردية ومكاباداته ومايشعر به من غبن وظلم واستبداد وضيق شديد،وخوف من المجهول ومايقابلها من تصوير لمستقبل مشرق وغد أفضل ،وثقة مؤكدة في الانتقال والوصول لهذا الغد .

بدأت الشاعرة قصيدتها ،بإستهلال موفق لتشويق القاري للقصيدة من عنوانها، مستخدمة تقنية الحذف والأضمار، بذكاء ليتحول العنوان وحده إلى حكاية من ثلاث كلمات إنهم ينتظرون قصيدة” ، تجعل القاري يسال من هؤلاء ؟، وبالتالي ضمنت حواء أن يشد العنوان دخول المتلقي لعالم قصيدتها ، ويمكنه من قراتها بشغف. وفي أول سطر تكتب (انهم في انتظارك ) لتحقيق نوع من “الإدهاش” الذي يستوقف المتلقي، ويثير فيه رغبة التبين والاستيضاح ومن ثم تتحقق المشاركة منه في عملية الإنتاج، وهي مشاركة تتكئ عليها حواء في القصيدة حتى نهايتها .

تنطلق بعدها الشاعرة ،لتلخص ربما بشكل كاف في قصيدتها ألام ومعاناة الليبي التي يعيشها بشكل يومي، كما نقلت أماله وثقته اللامتناهية في غد ينتظره ،وحلم لايتوقف بتغير الحال وحياة أفضل سيعيشها قريبا جداً ، ونجحت الشاعرة في أن تنقل ذلك كله وتعبر عنه في سطور قليلة بديعة ، ونص لغوي متين و في سطور شعرية -إن صحت التسمية- قسمتها بقصد او بدونه الى نصفين متساويين تقريبا،تفصل بينهما (لكن) ، فجعلت ما يسبق لكن واقع مؤلم تبوح فيه الشاعرة بشكل مؤثر ،وتعكس معاناتها من الواقع المرير الذي تعيشه فتنقل لنا بحزن كيف ان ( العالم الخرب ينهار) وكيف صار العالم مقبرة ( العالم صار مقبرة) وكيف طغى الدم على بياض النفوس ونقائها ( الدم يغطي البياض ) ، وما بعد (لكن ) في القصيدة حلم بمستقبل مشرق واستعادة للبهجة والسعادة بدأته حواء بجملة جميلة ( لكن الشمس تشرق والنسائم تداعب خدود الصبايا ) وتستمر الشاعرة بعدها في منح المتلقي بشكل محبب وبمفردات معبرة عن الامال والثقة فتمنيه بواقع ملئ بالحب ( الكثير من الحب ) ، (لجمال) ،(ا لضوء) ولاتنسي ان تمنحه الثقة بأن الضوء ، والحب ،و كل الاشياء الجميلة ستاتي وتدعم تقتها في زرقة البحر الدائمة (البحر لايغادر زرقته) وفي شروق الشمس بشكل يومي (الشمس تشرق)

تعبر الشاعرة عن ذلك كله ، وربما تنقل تجربتها مختفية وراء الاخر (هم) وتتفرغ هيا لنصها الجميل بشكل كامل لتهمس للقصيدة وتخاطبها بود وحنان تستحثها وتناديها (إنهم في انتظارك) دون أن تفصح عنهم من هم ؟ وتترك للقاري فسحة ليخمن هوية الاخر ،

وأختارت الشاعرة أن تسرد فكرتها بشكل ذاتي ( فأنا أكتبك ) (وأرسم عالما) (أقاوم الخراب) (وأنا فاغرة القلب ) أرادت من خلاله الوصول لرؤية موضوعية تعالج موضوعا عامـا، ولتجعل من المتلقي (المروي له) الذي يعيش حاضراً مربكاً ، يتفاءل بمستقبل أفضل ، وتجبره أن سيعيشة لامحالة روحـاً (طفولتي مخبوءة تحت جناحها) وجسداً (والمشي حافية ) كل هذا بعد مرورها السريع لللاحداث ، التي تحدث الان ويعاني منها من يقرأ القصيدة ،وكأن ما يحدث سينتهي سريعا (والطيران ) و (وثمة ولد يترقب) فهو دعوة قريبة جدا للخروج من مازق يحدث للتو ولكنه الى زوال ، ونجحت بشكل كبير في أن تجعل المتلقي أكثر تأثراً وتواصلاً ،خاصة وأن حواء جعلت من الفعل المضارع سمة رئيـسة يحتضن أكثر من سطر شعري في القصيدة كلها في حيث تكرر أكثر من تسع مرات ،وهذا يمثّل كثافة تراكمية واعية للأحداث ، ويعكس الحالة التي تعيشها الشاعرة وهو غالبا مايكون مضارعاً منسوباً للمتكلم ، كما يُعَد إشارة هامة هدفها التوكيد ،الى جانب تحقيق التناسق الإيقاعي في نص القصيدة كلها (أرقب هذا العالم) (أتسمع وقع خطواتك) (فأنا أكتبك) (وأرسم عالما بهيا) ( يترقب قبلة) (تشرق وتداعب ) ولاتغفل حواء التركيز على الايقاع الموسيقي فنجدها تكتب( وأتسمع) لان الايقاع الموسيقي لابحققه فعل أسمع

وأخيراً قصيدة حواء ” إنهم ينتظرون قصيدة” متميزة عندي ومتفردة ، وراقت لي كثيراً ،وأعجبتني وأحببت تقديم إنطباعات بسيطة لها وعنها ، وأتمنى أن أكون قد أضفت شىئ جديد يستحق المتابعة شكراً الشاعرة الرقيقة المبدعة حواء القمودي

مقالات ذات علاقة

يوسف الشريف

منصور أبوشناف

خواطر حول قصّة “الطريق”

المشرف العام

أهذا وجهي الذي أراه منعكسا في عينيك؟

المشرف العام

2 تعليقات

جلنار أحمد 14 نوفمبر, 2020 at 10:03

والبحر لا يغادر ورقته ❤❤

رد
المشرف العام 15 نوفمبر, 2020 at 05:19

نشكر مرورك الكريم

رد

اترك تعليق