قصة

ضباع الغرفة

من أعمال الفنان "مفتاح الشريف"
من أعمال الفنان “مفتاح الشريف”

في غرفة مظلمة، تتعثر أنفاسي كعصافير محبوسة، وأشعر بنظرات الضباع تتراقص كأشباح سوداء حول رأسي. الرعب يشتعل في قلبي، شعور مزدوج يتصارع داخلي: أريد الهرب، لكن كل خطوة قد تقودني إلى مصير أسود.

الأكبر بينهم، يشبه ظلام الليل، لا يرفع عينيه عن رقبتي، كأنها هدفٌ يُرصد بعناية. أهو يراقبني أم يُخطط لمصير قاتم؟ تتداخل أفكاري في دوامة من الخوف: هل جاءوا بسبب كتاباتي التي أفضت إلى هذا الكابوس؟ ليتني لم أكن كاتباً، ليتني لم أكتب شيئاً، فالأفكار تتحول إلى كوابيس تلاحقني كوحوش جائعة.

كيف يمكن لكاتب أن يعيش في مثل هذا الرعب؟ كنت أعتقد أن الشجاعة تكمن في الهجوم، لكنني الآن أشعر كالأرنب في مواجهة ذئاب متعطشة. أين ذهبت شجاعتي؟ أراهم الآن كأنهم الحكماء، بينما أنا العبيط الذي ظن أن الكلمات ستنقذه.

أين أسرتي؟ هل هم في مأمن من جحيم أفكاري المسمومة؟ أشعر أنني الجاني، أكتب لهم قصصاً قد تجرهم إلى الهلاك. كل سطر كتبته كان كخنجر يُطعنني، وها أنا هنا، محاصر بكائنات كانت تُرعبني، وكأنني من وضعت لهم صورة الفريسة.

الأصوات تتصاعد من أعماق الغرفة، تهمس الضباع بأسرار مظلمة، تتنقل بين الصمت والصراخ. كل واحدة منهن تعكس جزءاً مني، تناقضات تعج بالقلق. كنت أظن أن الكتابة ستمكنني من القوة، لكنني أراها الآن سلاحاً يوجه نحو رقبتي.

أسأل نفسي: هل يمكن أن يُفقد الكاتب شجاعته ويصبح ضحية لأفكاره؟ كل ما أريده هو النجاة، لكنني محاصر بأفكاري المتجسدة ككائنات مرعبة. وبينما أتحسس مصيري، تنفجر الغرفة بصدى الضباع، ويدور العالم حولي في دوامة من الرعب والدهشة، وأنا أسير في طريق لا مفر منه.

كيف سيتذكرني سكان مدينة الضباب؟ هل سيقولون: “ضحى بنفسه من أجل كلمة الحق، ليعُم النور وينجلي الظلام”؟ أم سيكتفون بقولهم: “عبيط، ذهب دمه هدر، لم يستحق ذلك”؟

أه، هل هذا وقت للتفكير في مثل هذه الأمور؟ أصوات الضباع تقترب، وأفكاري تتداخل كالسحب الكثيفة التي تخنق المدينة. أين ابني الأصغر؟ أين ضحكته التي كانت تُشعّ في عتمة هذا المكان؟ وأين عنجهيّة ابني الكبير، تلك التي كان يتباهى بها في وجه المخاطر؟ لماذا لا أسمع له صوتاً؟

كلما زادت الظلمة، زاد قلبي انقباضاً. هل هما بخير، أم أن ظلال الضباع قد حطمت أحلامهما كما حطمت أحلامي؟ تتجسد صورتهما أمامي: الأصغر ببراءته، والكبير بشجاعته الوهمية. هل سيتذكرانني يوماً، أم سأصبح ذكرى مُحاطة بالخيالات القاتمة؟

أشعر كأني محاصر في قفص من الأسئلة، وكل إجابة تنزلق كالرمل بين أصابعي. كيف يمكن أن تكون كلمات الحق سيفاً حاداً يُحاصِرني، بدل أن تكون درباً نحو الخلاص؟ أتساءل: هل سأكون بطلاً في عيونهم، أم مجرد ذكرى يتناساها الزمن؟

تتداخل الأصوات، والخطر يزحف كظلال الضباع، مُستنفراً توتري. لن يُكتب لي الخروج من هنا، لكنني أُسائل نفسي: إذا سقطت، هل ستبقى كلماتي حية في ذاكرة أبنائي، أم ستُنسى مع صدى أنفاسي، كصدى يذوب في ظلام الغرفة؟

مقالات ذات علاقة

بنت باردو

المشرف العام

لعبة الاستمتاع بالخيال

حسن بوسيف

أحبها هكذا

المشرف العام

اترك تعليق