متابعات

تاريخ فزان في ضوء الذاكرة الوطنية

الباحثة الدكتورة “حنان سالم منصور”

أقام المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية بمدينة طرابلس في إطار نشاطه الثقافي الأسبوعي محاضرة جديدة استضاف فيها الباحثة في التاريخ الحديث والمعاصر الدكتورة “حنان سالم منصور” حملت عنوان (فزان في الذاكرة الوطنية) تولى مسؤولية إدارتها وتقديمها الباحث “علي الهازل”، وذلك مساء يوم الأربعاء 14 أغسطس الجاري بقاعة المجاهد بالمركز وسط حضور كوكبة من الأكاديميين والمثقفين والمهتمين بالتاريخ الليبي.

تأصل فزان في ذاكرة الوطن
فيما أوضحت الدكتورة حنان أسباب غياب فزان عن الذاكرة الوطنية معللة بأن فزان متأصلة في ذاكرة الوطن فأينما فتشنا وبحثنا نجد لفزان وجود حقيقي وجوهري لذا تظل فزان هي روح ليبيا فهي اليوم الركن الذي ترتكز وتدور حوله العديد من الصراعات منذ مئات السنوات، وأردفت الدكتورة حنان أنها ستختزل من الذاكرة الوطنية ما يثير الشجن أو ما يربط فزان بآواصر اللحمة الوطنية، وألا تُترك فزان وحيدة في خضم الصراع القديم والحديث والمتواصل، وبيّنت الدكتورة حنان أنها ستحاول في هذه المحاضرة أن تُسلط الضوء على ما يمسّ الوجدان سيما خلال مرحلة حركة الجهاد الوطني باعتبار أن فزان كانت حاضرة من اليوم الأول لانبلاج شرارة النضال والثورة ضد الوجود الإيطالي المحتل فلأهل فزان دور محوري في مقاومة الاحتلال الإيطالي إذ استدلت الدكتورة حنان بعدد من المذكرات التي كتبها كبار الضباط الإيطاليين اللذين أشاروا إلى مدى حراك فزان ومساهمتها في مقاومة القوات الإيطالية.

محروقة : المعركة الفاصلة
كما أشارت الدكتورة حنان إلى أن أولى معارك الجهاد بدأت عندما تضافرت جهود جميع قيادات قبائل المنطقة الغربية وتمركزوا بفزان، وتحديدا في منطقة الزلات في الرملة وهذه المنطقة بمثابة المثلث الاستراتيجي الذي سيتوج عمل كل القوى الوطنية آنذاك بغية مقارعة الإيطاليين في هذا المثلث على وجه الخصوص، وأضافت الدكتورة حنان أنه برغم غياب الشيخ “محمد البوسيفي” عن تلك المعركة إلا أنه كان يطوف ببلدات وقرى فزان هاتفا -الغنيمة، الغنيمة- بمعنى حلول يوم الاستشهاد الحقيقي مما جعله يتمكن من تحشيد مجموعات كبيرة من المجاهدين بلغ عددهم ما بين الـ900 إلى 1000وكانت (محروقة) هي المعركة الفاصلة كونها من أهم المعارك التي توثقها الذاكرة الوطنية، وهي لا تقل شأوا ومنزلة عن معركة القرضابية بل هي حسب وصف الدكتورة حنان المقدمة الحقيقية لمعركة القرضابية، من جهة أخرى نوهت الدكتورة حنان إلى أن الدولة العثمانية حاولت خلال الحرب العالمية الأولى العودة إلى ليبيا نظرا للأحداث الدولية وانعكاساتها على المشهد السياسي الليبي.

ثورة عام 1914 الكبرى
ولفتت الدكتورة حنان إلى أن بعض المصادر التاريخية تشير أن العابد السنوسي والسيد صفي الدين السنوسي كانا يرغبان في موطئ قدم ومكانة بفزان كتلك التي حظي بها أحمد الشريف في برقة لكن الظروف في فزان مختلفة تماما عن المنطقة الشرقية برغم الحضور القوي للزوايا السنوسية بيد أن شخصية العابد السنوسي كانت أضعف من أن تجمع حولها كل تلكم القيادات المتناثرة سواء من فزان أو حتى من قيادات المنطقة الغربية التي لجأت لفزان عقب عام 1912م، وأكدت الدكتورة حنان أن القيادات المحيطة بالعابد السنوسي أسأت لقيادات فزان كثيرا الأمر الذي أضاع فرصة تاريخية لتأسيس قيادة موحدة للإقليم، وتابعت الدكتورة حنان : ولكن استطاعت القوى الموجودة للمجاهدين من تنظيم صفوفها لمواجهة مراكز الإيطاليين في براك وسبها ومرزق، وتطرقت الدكتورة حنان إلى انطلاق الثورة الكبرى عام 1914م التي على إثرها انحصر الوجود الإيطالي ما بين طرابلس والخمس وتقطّعت السبل بالحاميات العسكرية الإيطالية فانسحب بعضها ووقع البعض الآخر تحت أسرى لدى المجاهدين، مؤكدة بأن هذا الحدث هو انعطافة هامة في الذاكرة الليبية الوطنية.

المطامع الفرنسية في فزان
بينما أوردت الدكتورة حنان أن فرنسا وفق بعض الوثائق أوان تلكم المرحلة بدت متخوفة كثيرا جراء ما يحدث في فزان، وهذه الوثائق تشير إلى ما يحدث بفزان قد يكون له أثر ما أو انعكاسا قويا على المقاومة التونسية فنتيجة ثورة عام 1914م اضطرت الحاميات الإيطالية في غات وغدامس للفرار إلى داخل الأراضي الجزائرية والتونسية أمام وطأة ضربات المجاهدين، وبيّنت الدكتورة حنان أن تخوفات الفرنسيين صحيحة فسرعان ما امتدت رقعة الثورة لتشمل نالوت وفي الجبل الغربي ومدن الساحل الغربي، وأضافت الدكتورة حنان مؤكدة بأن هذه الثورة جديرة بالبحث والدراسة والتنقيب في الذاكرة الوطنية بفقد مثلت ملحمة وطنية اجتمعت فيها كل الشخصيات الوطنية من الغرب والوسط ساهمت في تغيير معادلات السياسة الفرنسية التي كرست جهودها لكسر شوكة القوى الوطنية ففرنسا تملك مطامع واسعة في فزان تعود لعام 1890م على خلفية اتفاقها مع الإنجليز التي بموجبها أعيد رسم الحدود واقتطعت أجزاء من الإقليم في تشاد والجزائر حتى أن بعض المصادر تفيد بأن فزان أصبحت غير ذات قيمة كالرأس دون بلا جسد، وحسب التقارير الفرنسية فرنسا أقرت بخطئها التاريخي حين سمحت للإيطاليين بالوصول إلى فزان لذا منذ عام 1914م شرعت فرنسا بالتخطيط لاستعادة فزان من إيطاليا.

مقالات ذات علاقة

بيت اسكندر يحتضن تداخل الإبداع التشكيلي

مهند سليمان

محاضرة على ضوء الشموع

يونس شعبان الفنادي

جمعية المكتبات تناقش «حماية أرشيف ليبيا»

نهلة العربي

اترك تعليق