المقالة

العداوة غير المُهلكة

(انبساط وانكسار) من أعمال التشكيلي الليبي عبدالجواد المغربي
(انبساط وانكسار) من أعمال التشكيلي الليبي عبدالجواد المغربي

1 – مؤسسات المجتمع التقليدية ومعتقداته تستمر وتبقى طاما لها القدرة على التطور وتجديد ذاتها، مجرد محاولة هدم هذه المؤسسات والتقاليد دفعة واحدة من أجل البدء من ” نقطة الصفر” يعني من بدء قيام أيّ ” ثورة” لا يتاح لها التبصر واليقظة، يعني الجنون بعينه والذي يجعل المجتمع يعيش حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن والعيش في فوضى لا حدود لها، ناهيك عن السطو على المال العام وجسامة الأحداث كالحروب واضطراب موازين البلد وصعوبة تنظيمها.

2- ففي الفترات الانتقالية الصعبة بإمكان المجتمع الاستعانة بعلاقته الاجتماعية التقليدية من أجل الحصول على حالة ولو مؤقتة من حفظ النظام والمقدرة على التنبؤ بما هو أتٍ إلى حد ما. وهذا لا يعني إنّ هذه المؤسسات لا تكون عرضة للنقد، بل على النقيض ينبغي تحسين أدوارها ودمجها في مشروع إعادة بناء ” الدولة “. يعني ينبغي لها أن تشارك في التنظيم والعدل والتوجيه فالناس من عوائدها أنْ يختصموا ويتجادلوا وهذا ما يجعلهم يتشبثون بالسلطة للسلطة المستدامة دون عرف اجتماعي مُستحسن أو قانون يمنع المغامرة وعجائبها في فن التمسك بالسلطة في الغداة والعشي.

3- إتباع أيّ سياسات خاطئة وغير مدروسة تقود حتماً إلى ضرر كبير في حياة الناس وفي حياة البلد بوجه عام. ففي هذه الحالة ليس أمام المجتمع إلا أنْ يبحث عن أفضل الحلول لفتراته الانتقالية والتي عجز المجتمع وخاصة ” النخبة” من تحاشي التخبط في شؤون إدارة المجتمع، كأن يتبع حلول ” الهندسة الاجتماعية” باعتبارها برنامج دقيق ومدروس يتحاشى الحلول العشوائية والمتطرفة شأنها الاعتماد على التخطيط الخطي الحتمي أو اللجوء إلى سياسات ” الثورة” المشردة التي تفتح الباب للنهب “المبرمج” وهدر المال العام وعدم استخدامه في تطوير البنية التحتية والسياسية في البلاد.

4- الحلول المتناثرة و التي لا رابط بينها بل ومتصارعة لتحقيق أهداف شخصية تعيق المجتمع وتُدخله في متاهات لا بصيرة لها ولا معرفة جادة لما جدّ من شؤون عديدة في الحياة الاجتماعية، فضلاً عن أتباع نهج المؤسسات التقليدية دون مراعاة التغيير الكبير الذي يعصف بالمجتمع  لا يفيد، فالميل إلى بنية القبيلة بشكلها التقليدي هو ميل نحو العصبية والخيال و الفخر و تمجيد الماضي و الزهو بالانتماء إلى القبيلة أكثر من أنّ يميل البلاد ” الدولة” بشكل عام  فالولاء الكامل للقبيلة لا يساير منطق الاختلاف في البنية العامة للمجتمع، ففي هذه الحالة السلوك الإنساني في المجتمع يقع تحت سيطرة و هيمنة العرف التقليدي الصارم الذي لا يخدم بأيّ و جه من الوجوه الصالح العام و ” الدولة” و التي هي المشروع القانوني لتذوق الحرية التي يجدر بنا إدخالها في أنظمة تفكرينا والتي حتماً تفتح الأفاق أمام عقولنا.

5- الوضع الطبيعي للإنسان إذا أراد أن يعيش كـ ” مواطن ” أن يتخلى عن تماهيه الكامل سياسياً مع البنية الاجتماعية ألتي ينتمي إليها، بمعنى أخر السلوك الجمعي التقليدي يجب أن يتجافى ويبتعد عن إهانة أو أحداث الضرر بالآخرين، أو التقليل من شأن من يختلف معنا، ومن ثمّة تحقيق العدل بين الناس بعيداً عن نزعة الغلبة خوفاً من مواجهة التغيير.

6- إذن ليس أمام هذا البد إلا البحث عن اسلوب سياسي رفيع وحكومة مسؤولة ونظام سياسي يواكب العصر مع نهج الهندسة الاجتماعية حتى يتسنى له وضع البلد في المسار السليم. فربما نستطيع أنْ نملك أدوات جديدة وأن نتعمق فيها تعمقاً يتيح لنا الخروج من هذا النفق إلى البدء في الازدهار.

7- فهذا البلد يمرّ بحالة من الفوضى والتسيب ونحن الليبيون ومنذ الاستقلال أعتدنا على تقبل الأوضاع السياسية نتيجة فقدان نعمة التبصر في المستقبل وفي الأجيال التالية والعزوف عن بذل الجهد للتخلص من هذه العادة المتراكمة في الثقافة الليبية، وفي كلّ مرة هناك المستفيد من الأوضاع، فحقبة الاستقلال كان لها مُستفيدها، وحقبة ” الجماهيرية العظمى” لها مستفيدها، وحقبة ما بعد 17 فبراير لها مستفيدها، التي صار فيها التدافع غير المعقول على تحقيق الأهداف الشخصية.

8- على أنّ كل مستفيد من هذه الأوضاع يرفض أيّة معارضة أو مقاومة تزعزع كيانه أو تزيح سلطته وتنفي غبار وقائع الحال التي يزهى فيها، إلى أنْ تقع زلزلة أخرى تقلبه رأساً على عقب وتُدخل البلد في حالة من التردي في السقوط والتذبذب وفي أوهام المحللين السياسيين وهم – كالعادة ومنذ الاستقلال- يمكثون على حافة المعنوي المليء بالخرافة أو المجرد المليء بالاختلاط والتضارب.

9-إلى الان هذا البد لا يبتغي أن يجد لهذا الحالة التي يعيشها بدلاً، ولا يجد عنه حولا. والغريب أننا نعرف أنْ الحياة شاقة ولكن لا نبالي طالما أننا نعرف أنها لا تقود إلى عداوة مهلكة بين الناس.

مقالات ذات علاقة

المحررون . من يحررهم

علي عبدالله

معاناة

أحمد الفيتوري

كلاسيك (100/19)

حسن أبوقباعة المجبري

اترك تعليق