النقد

مقاربة بين رواية مزرعة الحيوان لجورج أورويل ورواية القرود للصادق النيهوم

تحليل للإسقاطات الرمزية في أدب الحيوان

مقاربة بين رواية مزرعة الحيوان لجورج أورويل ورواية القرود للصادق النيهوم
رواية القرود للكاتب الصادق النيهوم – رواية مزرعة الحيوان للكاتبة جورج أورويل

مقدمة

ان الحكايات والقصص والروايات المحكية على ألسنة الحيوانات هي من الأساليب المعروفة منذ القدم وفي التراث الهندي والعربي قصص كثيرة ويتضح جليا في كتاب كليلة ودمنة للكاتب العبقري ابن المقفع وهي مجموعة قصص تم ترجمتها ومعالجتها الى العربية نقلا عن الموروث الهندي القديم، كذلك نجد مثيلا له في حكايات ايسوب التي كتبت في عهد الحضارة اليونانية، هذا النوع من الأدب عرف عالميا بأدب ((fable)) ويقصد به أدب الحيوان أو الحكايات التي تروى على ألسنة الحيوانات، هذا الأسلوب من الحكايات الخيالية يستند الى لغة نقدية للواقع المعاش أو للسلطة المستبدة يلجأ الكتاب القصاصون الى هذا النوع من السرد خيفة من أن تبطش بهم السلطة الجائرة فيلجؤون للتعبير على ألسنة الحيوانات عن طريق الرمز، أي تشبيه الأحداث الواقعية بشخصياتها واسقاطها على عالم الحيوان وفصائلها. وربما خصائص وسمات الحيوانات كالكلب والخنزير والقرد في رواية القرود ومزرعة الحيوان هو نقد الشخصيات السياسية والقادة والزعماء الذين يحكمون بلدانهم بمسميات وشعارات واهية ليكشفوا بها التناقضات الرهيبة التي أنتجت سوء الإدارة السياسية لهذه البلدان.

ولنبدأ بداية بشخصيات مزرعة الحيوان لجورج أورويل

يروي الكاتب قصة خيالية ويبدأ بحديثه عن مزرعة السيد جونز، تلك المزرعة التي تحوي العديد من الحيوانات كالخنازير والكلاب والأحصنة والدجاج والبط والقطط والفئران والحمام والأبقار والأغنام، يوصف الكاتب شخصية صاحب المزرعة بشخصية الشرير الذي يجبر الحيوانات على العمل في المزرعة بجد وحصل انتاجها من الحليب والبيض واللحم والصوف وحرث الأرض ويبدأ التمرد مبكراً حين ينسى السيد جونز أن يطعم الحيوانات، اذ بداية يخرج خنزير يدعى ميجور ويدعو الحيوانات الى الاجتماع ليلا بعد ان ثمل صاحب المزرعة ونسي ان يغلق الأبواب وتركت مفتوحة دون أن يقفلها، ويلقي المستر ميجور خطبته ويدعو فيها الحيوانات الى الثورة على البشر وأخذ المزرعة منه ثم يخرج الخنزير ” ميجور ”  بالقول إنّ عليهم أن يتخلصوا من تحكم البشر بهم، فتستعد حيوانات المزرعة للثورة ضد السيد جونز، وتأخذ الخنازير بزمام ذلك باعتبار أنّ الخنازير هي أذكى الحيوانات في المزرعة، تفلح الحيوانات بعد ذلك في الاستيلاء على المزرعة وطرد السيد جونز ورجاله منها، ثمّ تضع هذه الخنازير مبادئ عامة لتسير عليها الحيوانات، ومن ذلك أنّ كل ما يمشي على ساقين يعتبر عدواً، أما الصديق هو كل من يمشي على أربع أو يملك أجنحة، كما يمنع على الحيوانات ارتداء الملابس أو النوم على السرير، أو شرب الكحول، أو قتل الحيوانات الاخرى، كما أنّ جميع الحيوانات متساوية، وقد بدأت الحيوانات بالتمثل للأوامر والعمل بجد وكفاءة لاستكمال الحصاد وإثبات أنفسهم، وأصبحت الخنازير أسياد المزرعة والمشرفين على الأعمال فيها، كما أنّهم يبدؤون بالاستيلاء على حصص أكبر من حصص غيرهم من التفاح والحليب، وحين تحتج الحيوانات على ذلك فإنّهم يحذرونهم من عودة السيد جونز إلى المزرعة. هنا تذكرني المبادئ التي ألقاها الخنزير على الحيوانات اذ جعلت لائحة وسميت بالوصايا السبع للمستر ميجور، وهي تماثل ما ورد في البيان الشيوعي الذي ألقاه كارل ماركس وفريدريك انجلز وقد توطدت علاقة الشابين لنشاطهما ونضالهما المشترك في سبيل نصرة العمال وتحقيق الشيوعية، فانضما في عصبة الاشتراكية آنذاك  وكتب كل منهما ما يعرف بالبيان الحزب الشيوعي، وقدما مسودته إلى المناقشة في المؤتمر الأول للشيوعيين الذي عقد بالعاصمة البريطانية لندن في يونيو/حزيران 1847.

طُلب منهما اعتماد هذه المسودة من أجل صياغة وثيقة نهائية نظرية وعملية يلتزم بها جميع الشيوعيين، وتقرر تسميتها خلال المؤتمر بـ”البيان الشيوعي”.

الوصايا السبع لمزرعة الحيوان.

 1. كل من يمشي على قدمين هو عدو.

2. كل من يسير على أربعة أقدام وكل طائر هو صديق.

3. يمنع على الحيوان ارتداء الملابس.

4. يمنع على الحيوان النوم فوق سرير.

5. يمنع على الحيوان شرب الخمر.

6. يمنع على الحيوان قتل حيوان آخر.

7. كل الحيوانات متساوية.   

النقاط السبع للبيان الشيوعي.

1. إلغاء الملكية الخاصة في الأرض والميراث.

2. إدخال ضريبة دخل تصاعدية.

3. مصادرة ممتلكات المتمردين.

4. تأميم قطاعات الائتمان والاتصالات والنقل.

5. التوسع والتكامل بين الصناعة والزراعة.

6. إنفاذ الالتزام العالمي بالعمل.

7. توفير التعليم الشامل وإلغاء عمالة الأطفال.

هنا نجد الكاتب يتجه في الإشارة الى الحكم الشيوعي وبداية عهد الشيوعية منذ القاء البيان وصولا إلى الاتحاد السوفيتي وتجربته المريرة التي خاضها  ولا يكتفي الكاتب عند هذا الحد بل ان تسمية الخنزير ميجور يقصد به ماركس ثم دفن الخنزير في طرف المزرعة والعمل على وصاياه إشارة الى ان الثورة الشيوعية لم تحدث الا بعد موت كارل ماركس وقد حدثت في روسيا القيصرية في ذلك الوقت، ابان حكم نيكولاس الثاني، وربما أشار بمالك المزرعة باسم المستر جونز ويقصد به نيكولاس الثاني وهذا واضح من معالم تشبيه الكاتب للشخصية في روايته وسلوكه وبطشه في استغلال الحيوانات كما كان نيكولاس الثاني يستغل الطبقة الكادحة في روسيا، ثم نرى الكاتب يتجه بوضع ثلاث شخصيات من الخنازير وهما نابليون وسنوبول وسكويلر وهنا نبين بداية الاتفاق والاختلاف فيما بينهما والذي أدى الى صراع لنعرف من يقصد الكاتب بالضبط، ولنستشهد بنصوص من الرواية.

سكويلر: كانت باقي الذكور في المزرعة للتسمين، كان خنزيرا صغيرا يسمى سكويلر له وجنتان مستديرتان وعينان لامعتان وحركات رشيقة وصوت صاخب لبق الكلام وكان عندما يرغب في الكلام يشرع بالقفز من جانب إلى آخر ويضرب الهواء بذيله مما دفع الحيوانات للاقتناع أن سكويلر يمكنه أن يجعل الأبيض أسودا – هذا النص له دلالة على التشبيه بفلاديمير لينين أو بشخصية مقربة من استالين شخصية تملك الدعاية والتأثير  القوى في الخطابة واثارة حماس الجماهير، أجد ناحية أن الأوصاف  الأوصاف الشكلية لينيين متطابقة العيون اللامعة ووجنتان مستديرتان ويعرف لينين على أنه من أقوى الشخصيات القيادية التي كانت ابان الثورة البلشفية تخطب بالناس يصعد على المنصة ويلوح بيديه في الهواء وفي كل كلمة يقولها يتحرك يمينا ويسارا يخفض صوته ويعلو تارة وهكذا .

وفي مقطف آخر يعرض الكاتب الخلاف بين سنوبول ونابليون اذ يقول: انقسمت الآراء داخل المزرعة بسبب الخلاف على بناء الطاحونة، ولم ينكر سنوبول أن بنائها سيكون صعبا فهي تتطلب اقتلاع الحجارة لبناء الجدران، ثم تثبيت المراوح الخ – هذا الاختلاف بين كل منهما كان بسبب بناء الطاحونة فسنوبول هو من اقترح الفكرة واستمد فكرته من ثلاث كتب من الخنزير ميجور ” ماركس ” ومع رفض الفكرة من قبل نابليون انقسمت آراء الحيوانات لحزبين ” وهنا إشارة الى انقسام البلاشفة الى حزبين بلاشفة وتعني الأكثرية، ومناشفة وتعني الأقلية، اقترح الخنزير نابليون بعد ان تفحص الطاحونة فكرة مفادها يجب مضاعفة الإنتاج الغذائي في الوقت الحاضر وانها اذا اضاعت الحيوانات الوقت في بناء الطاحونة ستموت الحيوانات جوعا من هنا أتى الانقسام ليعبر عن تحزب الحيوانات لكل طرف بين نابليون وسنوبول ثم أتت شعارات بعد هذا الانقسام يحمل راية صوتوا لسنوبول ولثلاثة أيام من الأسبوع، وصوتوا للمعلف الممتلئ، ثم زاد الاختلاف أكثر بين الطرفين فنابليون يرى ان الحيوانات بحاجة الى تأمين السلاح والتدريب عليه واما سنوبول يرى بأنه يجب ارسال المزيد من الحمام الى المزارع الأخرى للتحريض على الثورة، وهنا يرى كل منهما اتجاه مغاير عن الآخر فالأول يود السلاح لتجنب الهزيمة من العدو، والآخر يرى بإشعال الثورة في المزارع الأخرى لإشغال العدو عنهم .

أشار الكاتب أيضا الى نبش قبر ميجور وإخراج جمجمته الخالية من اللحم وثبتت على جذع نخلة عند اسفل سارية العلم، ربما هذا المقتطف في ظني إشارة الى تمثال أو رأس تمثال ماركس الذي صنع ووضع في مكان ما في العاصمة السوفيتية قديما، فقوله انه خال من اللحم، ويشير الى العظم، والعظم هو أقرب الأشياء للمادة التي تصنع منها التماثيل .

هذا الخلاف بين سنوبول ونابليون هو نفسه الخلاف بين تروتسكي أحد الرفاق والقادة العسكريين في الحزب الشيوعي البلشفي في روسيا وبين نابليون وهو جوزيف استالين ، اذ كل منهما كانا على خلاف فيما بينهما وانقسمت الشيوعية بعد ان حصل الخلاف وصار الذين مع تروتسكي يسمون التروتسكيين والآخرين محسوبين على الستالينية، لجأ تروتسكي بعد هذا الصدع الذي حدث الى المكسيك ومكث هناك فترة من الزمن، الى أن أرسل استالين استخباراتيين قاموا بقتله في منزله ومعروفة تلك الشائعة في أوساط الشيوعيين اذ قطع رأسه بفأس كما ورد، هذا الحدث ذكره الكاتب جورج في كتابه مزرعة الحيوان وذكر ان نابليون أرسل كلابه للتخلص من سنوبول والاتيان برأسه، الاتيان بالرأس يحتاج الى قطعه وفصله عن الجسد، هي تعبير عن نفس الحادثة تقريبا، ولم يغب عن الكاتب سرده لبعض المحاولات السابقة ومطاردة سنوبول ” تروتسكي ” لأجل اغتياله أو سجنه. أيضا أشار الكاتب في مقتطف آخر على ان خراب الطاحونة بعد مغادرة سنوبول هو ان سنوبول هو من قام بذلك، فتم تفقد أثره ووجدوا أثار الخنزير سنوبول وهنا يؤكد الأمر على أن سنوبول ” الترتسكيين ” كانوا يودون الانتقام بشكل أو بآخر من الستالينيين، خطبة الخنزير نابليون الأخيرة كانت تقول: وسنعلم هذا الخائن البائس أنه لا يستطيع ان يهدم عملنا بسهولة، تذكروا أيها الرفاق، انه لن يكون هناك تغيير في مخططاتنا، وسنقوم بتنفيذها حتى النهاية، والى الأمام أيها الرفاق! ولتحيا الطاحونة! ولتحيا مزرعة الحيوان.

ولتحيا الطاحونة: إشارة الى النظام الاشتراكي شركاء فيها لا أجراء!

ولتحيا مزرعة الحيوان: ولتحيا الشيوعية.

رواية القرود للصادق النيهوم

يضعنا النيهوم في روايته القرود أمام اسقاطات واقعية عايشها ابان حكم القادة القوميين العرب، ولا يمكن أن نفصل الكاتب عن الظروف التي عاشها في ذلك الوقت اذ كتبها في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وابدا الآن في عرض بعض المقتطفات البسيطة من الرواية لأتخذ منها نماذج للتحليل والمقاربة بينها وبين رواية مزرعة الحيوان.

ربما لا تخلو واقعية الرواية النيهومية على الأوضاع السياسية للمنطقة العربية، اذ لا يمكن أن نفصل النيهوم عن الظروف المعيشية والتجارب التي خاضها في حياته، اذ يؤثر المناخ العام لظروف سياسية واجتماعية على قلم الكاتب، فيضطر بوعي أو من دون وعي الى الكتابة بشكل ملموس أحيانا عن الواقع، وبقدر ما تكون أهمية الواقع لدى الكاتب بقدر ما تكون له القدرة على نقد الأطر الواقعية التي تحاصره أو التي يراها كلزوم ضروري لنقدها نقدا أدبيا ساخرا، وفي نص كتبه النيهوم في روايته القرود اتخذ من هذا النص بداية لمعرفة ما الذي يقصده تحديدا ولماذا اختار أسماء القرود على هذه الشاكلة، يقول النيهوم في الرواية: كان الاجتماع طويلا وغير مثمر وتخللته معارك طاحنة بين هانيبال وهولاكو بسبب جوهان، وبين هولاكو وبين سنوحي بسبب هانيبال، وبين سنوحي وهوشي منه بسبب هولاكو وبقى اجتماعا مملا ومخيبا لآمال المراقبين الذين ما لبثوا أن أداروا عدساتهم إلى مدخل الوادي يائسين من أي ردة فعل من جانب القرود، عند مدخل الوادي، فوق شجيرة وحيدة وسط السهل، جلس صن يات صن وكل شعرة في رأسه منتصبة إلى الأعلى وحدق طويلا في عتمة الضوء الرمادي لكن خصمه كان قد انسحب الى الدغل – مد عنقه وشرع ينظر حوله مقطبا حاجبيه فلم يكن يريد أن يصدق بأن خصمه قد انسحب حقا، بعد ساعة من التردد بدأ شعره المنتصب يعود الى مكانه بعد ساعة أخرى بدأ يخطط للنزول، كانت الرؤية إذ ذاك حسنة رغم سقوط المطر وكان بوسع المراقبين في الغرفة المقامة فوق التلة أن يسجلوا المشهد كله بشيء من التفصيل (( الصفحة رقم 30 – 29 )) رواية القرود

ولنطرح بعض تساؤلات والاشكاليات على هذا النص الذي نقلته من الرواية:

الأسماء التي كتبها الكاتب هي أسماء لشخصيات تاريخية بارزة كصن يات صن شخصية صينية معروفة ابان الثورة الصينية ويعتبر قائدا سياسيا ومنظرا وفيلسوفا أيضا، هولاكو شخصية تاريخية أحد أبرز القادة العسكريين لشعب المغول، سنوحي اسم مستوحاة من القصص الشعبية أو الأمثال الشعبية لشخصية هزلية خيالية معروفة في مصر، هانيبال قائد عسكري قرطاجي له معارك انتصر فيها على الرومان قديما ابان غزوهم قرطاجة، هوشي منه هو اسم لأحد قادة النضال في الفيتنام والذي لعب دورا كبيرا في انتصار الشيوعية الفيتنامية على التواجد الأمريكي على أراضيها. اسم جوهان بحثت عنه كثيرا ولم أجد مصدرا دقيقا يحدد هذا الاسم ولأي الشخصيات المهمة  التي لعبت دورا سياسيا أو تاريخيا بارزا مهما سواء ذكرا أم أنثى، لكن هناك احتمال وضعته وهو ان النيهوم ربما يقصد القائد الأمريكي يوهان تسركليه، كونت تيلي المعروف باسم الراهب المدرع،كان قائد ((فيلد ماريشال)) القوات الكاثوليكية خلال المراحل المبكرة الحرب الأعوام الثلاثين، حقق خلالها سلسلة ملفتة من الانتصارات ضد القوات البوهيمي والبروتستانتية و الدانماركية، قبل أن يهزم ويقتل على يد القوات السويدية تحت قيادة غوستاف الثاني أدولف ملك السويد. لكن النيهوم وضع جوهان من ضمن القردة الاناث وهذا ما يجعلني استبعد التشبيه، وربما اتخذ الاسم مجازا فقط.

    السؤال المطروح لماذا اعتمد النيهوم هذه الأسماء، وهل يقصدها بذاتها أم انه يرمز لسلوك القادة السياسيين العرب، وهذا في ظني على النمط الذي اتخذه جورج أورويل في رواية مزرعة الحيوان كاسم نابليون فقط أما بقية الأسماء فربما كانت لها دلالة أخرى.

    في نظري أعتقد  أن فترة السبعينيات والثمانينات كانت الدول العربية تعيش تخبطا سياسيا نتيجة  لهزيمتهم في عام 1967 وكان القادة السياسيين العرب يتصارعون فيما بينهم وتتقاطع مصالحهم الذاتية مع بعضهم البعض لدرجة أنها نشأت حروب وخلافات بين كل منهم فمثلا بين العراق والكويت، وبين الليبيين ابان حكم القذافي وبين مصر في فترة حكم السادات حرب الأيام الأربعة، أيضا بين الليبيين وتونس ودخول القوات الليبية الى الحدود التونسية واستعانة الدولة التونسية بملك المغرب، أيضا الخلافات بين حزب البعث السوري وحزب البعث العراقي بين حافظ الأسد وصدام حسين كانت هذه المشاهد السياسية تغذيه تغذية فكرية سياسية ويعترض عليها النيهوم ناقدا لهذه السياسات والخطابات بشكل ساخر من خلال روايته، ونتيجة لتضييق مجال حرية الكتابة والتعبير عنها ونقدها من قبل النخب الثقافية لجأ أمثال النيهوم من الكتاب والروائيين الى وضع صياغة روائية تتخذ من أدب الفابل أو أدب الحيوان ملجأ للتعبير عن غيظها وفيضها من الوضع الراهن – من هذا المنطلق نجد التعبير النيهومي الساخر يقترب من النقد قليلا للسلطة السياسية للقادة بعيدا عن الأسماء الرمزية، وهنا تكمن المفارقة وربما ابتعد في التسمية قصدا لكي لا يسلط الضوء بشكل أكثر وضوحا على القادة والرؤساء العرب آنذاك، وهناك جانب آخر أيضا ربما أرجح أن الأسماء كانت ترمز الى الألقاب أو التشبيهات الشخصية للقادة العسكريين القوميين العرب ومن المعروف أن القادة في الغالب ما يتم تلقيبهم أو تشبيههم بقادة حروب سابقين، مثل ما فعل أورويل في روايته اذ استعان باسم نابليون واسقطه على تصرفات جوزيف استالين، فهل يمكن أن نقول ان القرد سنوحي في رواية القرود للنيهوم كان يقصد بها السادات مثلا أو هولاكو مثلا كان يقصد به صدام حسين، لكون هولاكو قائد مغولي   دخل الى بغداد وارتبط هذا الاسم ارتباطا وثيقا بغزو الخلافة  الإسلامية لخورسان وبغداد تحديدا بالعراق.

    في الرواية يعرض النيهوم الصفحة 43 – 44 الخلاف الدائر بين هولاكو وبين سنوحي عن العدو وشكله هل هو كلب أم لا، يقول الكاتب: وتحت سماء كاملة الصفاء والزرقة وقف هولاكو يتحدث بلغته البسيطة الخالية من الإيقاع والمعتمدة كلية على نوع الذبذبة وحركات اليدين (( العدو كلب )) قال هولاكو كلب هو، مجرد كلب، أنا أعرف، أنا أرى تقولون نعم تقولون لا هذا أمر لا يخصني، أنا أعرف أنا أرى، أطلق القرود صرخات عالية وأخذوا جميعا يهزون رؤوسهم بعضهم هكذا وبعضهم هكذا، سنوحي هز رأسه من اليمين الى الشمال قال ما معناه أن العدو ليس كلبا، اذ عاد هولاكو الى الكلام: العدو كلب قال هولاكو كلب هو تضربه بعصاك تضربه بحجر، تفعل به ما تشاء، تراه دائما يهرب أمامك وذيله بين رجليه، أنا أعرف وهذا لا يعرف، هذا أيضا مجرد كلب كان يشير الى سنوحي.

    وأما بالنسبة الى العدو فقد لاحظت القرود وجود شيء ما دخل الى الغابة واقترب من مناطق تواجد القرود وهو الفهد، الفهد هي الشخصية الحيوانية في الرواية التي تمشي على أربعة  كانت تشكل العدو الأكبر للقادة القرود، وكان القادة خائفين من مواجهته ويظهرون للمجموعة أنهم على قدر من القوة والكفاءة لمواجهة الفهد ويزعم بعضهم انتصارات وهمية وتفسيرات اعتباطية على شكل العدو ما ان كان كلبا أم فهدا، وهذا ما هو ملاحظ في النص الذي اقتبسته والخلاف الذي دار بين كل من هولاكو وسنوحي، ومن الواضح أن الخلاف بين هولاكو وسنوحي يبين الخلاف والانشقاق بينهما وقد أدى هذا الخلاف الى شق صف القرود والمتحزبين لقادتهم كما حدث في مزرعة  الحيوان، اذ انشقت الحيوانات بين مؤيد للخنزير نابليون والخنزير سنوبول  حول بناء الطاحونة، نلاحظ على غرار ذلك تبيان الخلاف بين كل من العملين أيضا اذ الخلاف بين القادة  القرود هو خلاف سياسي أدى الى انقسام القرود، بينما في رواية مزرعة الحيوان اختلاف اقتصادي على بناء الطاحونة كون الطاحونة رمز من رموز النظام الاقتصادي المشاعي الذي بنته الحيوانات على أفكار اشتراكية شيوعية، بنية الرواية تشكلت على خلافات اقتصادية ثم صعدت إلى أن تحولت الى خلافات سياسية، بينما في رواية النيهوم القرود خلاف سياسي بشكل مباشر مما يدل على أن النيهوم لم يعطي قيمة لنقد النظم الاقتصادية بل سلط الضوء على القادة السياسيين مباشرة ما يجعلني أفسر هذا التجاوز من قبل النيهوم هو تجاوز مقصود لأن الاقتصاد لم يتشكل تشكلا ذا قيمة وانما اقتصاد ريعي في الواقع ليس له أي دور في الخلافات السياسية بين القادة القرود والدلالة على ذلك أن الصراع بين القادة القرود كان صراع زعامة، أيهما يستحق وفي نفس الوقت وضع النساء والأطفال  القرود رهينة الملكية للزعيم القائد، وهنا رمزية يشير بها ليس الى النساء والاستهانة بها ولا الى الأطفال والاستهانة بهم، بل تشبيها بحال الوطن كتراب وهواء وأرض وخيرات.

    العدو الفهد يضعه النيهوم في سياق البطل اذ يظهر منفردا وتزعم القرود الإنتصار عليه أو الوحدة لأجل الإنتصار عليه: يقول النيهوم عن القرد هانيبال: تخلف عن الخروج وطفق يروج بين قروده خرافة مؤداها أن الفهد قد جاء لإلتهام صن يات صن فقط نتيجة صفاقته عندما شد رئيسه من أذنيه، ثم يصرح سنوحي هو الآخر ويقول: تخلف عن الخروج زاعما أن الفهد سيقتل جميع القرود بضربة واحدة من مخلبه أو – على الأكثر – بضربتين، لكنه أرسل بعض قروده المحاربين وشد أيديهم مشجعا، ثم يقول هوشي منه: خرج بقطيعه مطرق الرأس، لكن رأسه كان يلومه على الخروج. ثم يذكر الكاتب مواجهة هولاكو وخروجه وهو منتصب الشعر يرتجف خوفا وقبل ان يخرج كان يراقب الفهد ما ان كان موجودا أم لا، ثم ينزل هولاكو بعد ان ذهب الفهد لينهمك في تناول عشاءه بعيدا عن القردة، ويتظاهر هولاكو بضربه الأرض برجليه وصراخه بدعوة الفهد لمقاتلته تلك اللحظة كان الفهد قد تراجع وذهب لتناول عشاءه، منها بدأ شعره المنتصب يعود الى مكانه، ومرة أخرى لم يخرج أحد لمبارزته وبهذه المسرحية التي افتعلها هولاكو ضحك ضحكة ساخرة مترنحا ووضع يديه على خصيتيه ثم اردف قائلا: انهزم الكلب كما قلت لكم.

    بداية الاقتباس هنا يبين لنا الكاتب صفة العدو ويرمز له بالفهد، ومن الواضح أنه كان يقصد بها إسرائيل وأن القردة تدعي انتصارات وهمية على الفهد، مثلما وضح ذلك في أفعال هولاكو زاعما انتصاره في لحظة انسحاب الفهد لتناول العشاء، يشبه الكاتب هذا الحدث بالقادة العسكريين واختراع انتصارات وهمية على شعوبهم لم تحقق شيئا البته ولا استطيع أن أحدد بالضبط من يقصد بمثل هذا التصرف، اذ هذا التصرف يمثله كل القردة أو كل القادة السياسيين عدا صن صات صن الذي ابتعد عن المجموعة وسنأتي لذكره أيضا

    يلمح الكاتب الى ظهور صن يات صن في آخر الرواية ويعطه صفة العبقرية في ابتكاره عصاة في نهايتها عقرب بعدة أعين، وفي مواجهته للفهد يوجه العصا باتجاه العدو فيرى الفهد العقرب ويدرك خطورة هذا الكائن العجيب الذي وضعه القرد الذكي على رأس العصا، فينتصب شعر فراءه ويلوذ بالفرار منه، ويسجل انتصار للمعركة لصالح صن يات صن صاحب هذا السلاح الذي أخاف الفهد، هنا يلوح الكاتب إلى أهمية صناعة  السلاح الفعال وكأنه يولها أهمية أكثر من وحدة القردة، هذه الاسقاطات الفنية الأدبية لها دلالات على أن المعارك الوهمية التي خاضها العرب ربما كانت بلا جدوى ودون أي فائدة ولم تخف العدو بالقدر الكافي، اذ جعلت الأهمية إلى أن يكون التصنيع والإهتمام بالعلم والفكر أهم من الوحدة والمواجهة المباشرة دون أن يعطي القردة أولوية للقرد الذي فكر في صناع سلاح لهم، وقدمه الكاتب  في صياغة تلميحية كون للعلم أهمية لا بد منها لبناء تحقيق الإنتصارات، ومن جهة أخرى جعل من صن يات صن شخصية مطرودة من مجتمع القرود، وهذا له دلالة على أن القادة العرب كانوا لا يولون أي اهتمام للمفكرين والمخترعين والعلماء وتم طردهم خارج البلدات أو سجنهم أو نفيهم مثل ما فعل القردة مع صن يا صن (( ومثل ما فعل في مزرعة الحيوان مع سنوبول الذي طرد أيضا من مجموعة الحيوانات في المزرعة، غير أن نهاية كل منهما تختلف )) أي طرد النخب المتعلمة والمثقفة والمفكرة  خارج البلاد، مشيرا الى العودة على أن عودة المتعلم من الغربة بعد أن تعلم ودرس حقق انتصارات ملموسا وفر العدو من بعد ذلك وصار المتعلم صن يات صن هو من يرأس قطيع القرود، ونال حظه من أن يحظى بجوهان القردة التي كان يتصارع عليها زعماء القردة، وكما أشرنا فان تمثيل المرأة دور في الرواية ليس تمثيلا مباشرا وانما تشبيها أو ترميزا للوطن وكيف ينال الزعماء والقادة الذين يتصارعون على المناصب القيادية لأجل تحقيق مكاسب شخصية أو إرضاء لنزواتهم ورغباتهم النرجسية.

    أن بنية كل من العملين مختلفين في التفاصيل تتشابه الى حد ما في العموم، الاسقاطات الواقعية هي ذاتها مع اختلاف أنماط الأحداث الواقعية التي جعلت من السرد محكوما في اطار التشبيه والترميز وبناء الأحداث، الصراعات التي تدور والانشقاقات في الصف هي ذاتها تقريبا، كل كاتب أخذ منحنى اسقاط على الأوضاع والتجارب والمناخ الذي كان سائدا في عصر كل منهما، يركز النيهوم على جانب الخلافات السياسية وأهمية العلم في الانتصار في المعارك وعلى طرد النخب المفكرة وكيف ان لها الأهمية في الإنتصار، أما جورج أورويل فيركز على الجانب الاقتصادي قبل السياسي جاعلا من الاقتصاد محركا لثورة الحيوانات على الراعي الانسان جونز الذي رمز له كونه يمثل الرأسمالية، ثم يضيء الكاتب جانبا من الخلافات السياسية الداخلية بين الحيوانات – ولعل هذا الاختلاف قادنا الى أن مشاكلنا التي تحدث عنها النيهوم والتي يغيب عنها العامل الاقتصادي هو بنفس الوضعية للدول العربية التي يغيب عنها الصناعة والتجارة والاعتماد الكلي على النظام الريعي الذي يستخرج النفط “الموز” ويبيعه للخارج، تعيش القردة في وفرة من الغذاء فلا حاجة لها لإعمال العقل ولا أهمية العلم، فالوطن زاخر بالثروات والكسالى هم من يعتلون الكرسي أن صح التعبير

    مقالات ذات علاقة

    الدلالة الفنية في رواية ربيع كورونا

    إبتسام صفر

    مذاق حنظلة – قراءة في المجموعةالقصصية للقاص والكاتب عبدالرحيم علي بوحفحوف

    نورا إبراهيم

    رواية (اللي قتل الكلب).. دهاليز فلسفية أم عبق شعري

    عبدالرحمن جماعة

    اترك تعليق