المقالة

السياسة فن الممكن

 

لا أنكر إن الخبر التي تداولته الصحف ونشرات الأخبار العربية والعالمية من طرح الأخ القائد في لقاء سبها الأخير لمقومات سيف الإسلام التي تحتاج للتأطير في صيغة اعتبارية واضحة قادرة على العمل ضمن تركيبة الدولة السياسية بث أملا جديدا فينا نحن من يرى في سيف أهلية لذلك من جهة ومن جهة أخرى أقل أهمية تقول لي أن مطالبتي بذلك في مقالاتي السابقة لم تكن اثر اجتهاد مغلوط في قراءة الواقع الليبي كما اتهمني البعض، مع تأكيدي على أن الخطأ في اجتهادي قد يكون وارد ولكن تظل النيات يشفع لها على صعيد كتابة مقال.

أما العمل السياسي مقتله أن تكون النيات ليس بحجم قوة الأدوات، لذا لم احزن كثيرا عندما اتهمت بذلك ولكن حزني كان عظيما لفقدان آمال كثيرة علقناها على وجود سيف وآمل ألا يتكرر نفس المشهد مستقبلا لأن ذلك سيصنف في إطار عدم مصداقية لن يكون من السهل على آمالنا غفرانها مجددا.

لست هنا بصدد أن أزكى السير نحو هذا الطريق اعتباطا، فالذي يستعرض ما قام به هذا الشاب المجتهد منذ دخوله معترك حياتنا السياسية الصعبة يعرف ما قدمه باتجاه قفل ملفات خارجية شائكة وما تعثره في انجاز خطوات متقدمة مماثلة على صعيد الشأن الداخلي كان سببه عدم امتلاكه صفة اعتبارية تواجه من استطاعوا عبر هذه السنوات الطويلة من خلق موطء قدم في الساحة السياسية الليبية اتسعت وتراكمت وأنتجت مع مرور الوقت مراكز قوى وثقل وتشابك مصالح لفئة معينة تعذر على من تسول له نفسه أن يوقف مدها التفكير حتى في المحاولة، لا أن يواجهها ويحد من سلطتها التي ضاق بها الليبيون.

في بداية دخول سيف الإسلام لمعترك شؤون الداخل، ضبابية لاحت في أفق حياتنا السياسية، أربكت المواطن العادي الذي لا يستطيع أن يفهم ما يحدث، والنتيجة لم تكن في صالح سيف الإسلام طبعا، فسيف كان يسعى باتجاه معرفة ما يريده الليبيون وكلما خطى نحو هدفه هذا خطوة وجد من يضع له العصا في الدواليب. تعرقلت اغلب المشاريع التي كان بصدد انجازها على صعيد الداخل. طبعا لم تتعرقل وحدها كان هناك من يسعى وراء ذلك حتى يحبط أي مشروع إنمائي يحتاجه الليبيون ويرغب به سيف، عندها أصاب الليبيون إحباط من عدم انجاز سيف لوعوده دون أن يستطيعوا قراءة ما الذي كان يحدث من صراع بين سيف وبين من أطلق عليهم القطط السمان الكر والفر قسمت ظهره مقولة تبناها من لهم مصالحة في خلو الساحة لهم “أنت يا سيف لا تملك صفة اعتبارية حتى تقوم بما تريد القيام به “والنتيجة نعرفها كلنا.

إعلان سيف خروجه من العمل السياسي كانت له نتائج هامة ومؤلمة في ذات الوقت، أولها أن هذه الفئة التي لا تقبل بسعي سيف الوطني أقوى مما كنا نتصور، وان سيف يحتاج فعلا لصفة اعتبارية يستطيع من خلالها تحقيق آمال شاركه الرغبة في تحقيقها كثيرون، ومواجهة هذه الفئة المعرقلة. ثانيها خروج سيف أحبط جماهير الشباب الذين يمثلون أغلب سكان ليبيا ويعولون كثيرا على جهوده باتجاه تحقيق آمالهم البسيطة في حياة كريمة لتحقيقها. ثالثها خلو الساحة لذوي المصالح الذاتية من جديد وهو الأمر الذي سيعزز زيادة الفساد والسرقة والارتجال وكلها أمور لا تخفى على أحد. والمحصلة النهائية لكل هذا هو بقاؤنا على ذات الحال الذي نحن عليه سرقة وفوضى وارتجال وفساد وكلها على الصعيد القريب أو البعيد لا يمكن له أن ينتج دولة حديثة قادرة على المضي قدما بمواطنيها.

رغم إنني منذ البداية وحتى النهاية كنت أساند وبقوة موضوعية اتجاه السيد سيف الإسلام نحو ما نريد نحن ربما أكثر مما يريد هو فهو يعمل لتحقيق مكاسب لنا “الجملة السابقة ليست مادحة بل وبكل صدق موضوعية”، فهو كابن لقائد هذه البلد يستطيع أن يحقق لنفسه لو أراد ما ترغب به دون أي منصب اعتباري ويريح دماغه من صراع لن يكون سهلا حتى لو اتخذ عمله صيغة اعتبارية، فتراكم ماضي طويل أنتج حالة صعبة جدا تتطلب عملا وجهدا ونفسا طويلا، ورغم ذلك أعلم أن مطالبتي هذه التي يساندها الظرف التاريخي والضرورة الموضوعية إلا أني اعلم أيضا أن هناك من سيعلق على مقالي هذا ويعتبره مجرد مغازلة غير بريئة تصب في مصلحة سيف، ولكن حتى لا يتصور البعض إنها حالة طارئة وناتجة عن رغبة غير صادقة عليه أن يرجع كل مقالاتي السابقة إذا كان يهمه معرفة من أي منطلق جاء هذا المقال ولا يتهمني بركوب الموجة الجديدة.

ماضينا البعيد لم يكن بالسوء الذي نحن عليه اليوم والتغير الذي كان يمكن لنا أن نحققه بعد ذلك لم تكن أرضيتنا للأسف متاحة حتى ينتج أفضل مما أنتج، وعلينا أن نتدارك خطأ سعينا للكمال بأن نقبل ببديل عملي يعالج ما أمكن من أخطاء كان الحلم الجميل وراءها والواقع لم يكن أبدا أمامها فالسياسة فن الممكن.

العارف بتركيبة بلادنا السياسية التي تخلو من أجندة بديلة واضحة وقادرة وقوية يجمع عليها الكل يعي جيدا أن الطريق نحو غد أفضل يتطلب وجود سيف الإسلام دون أن يوضع هذا السعي من قبل كل الذين يؤمنون بذلك في خانة التزلف له أو مخاطبة وده، بل في خانة إننا نريد تقريب وقت تحول ليبيا إلى دولة أرضيتها ممهدة لما هو متاح للسعي بأسس صلبة وثابتة وبالعمل الجاد من كل الأطياف نحو أفق نريد له أن يتاح لا بل أن يتحقق مستقبلا لصالح الاستقرار والنمو والازدهار.

12.11.2009

مقالات ذات علاقة

في عيد الأب … حديثٌ واحدٌ لا يكفيه .. السطـى “شعـبـان”

يونس شعبان الفنادي

غزة هيروشيما جو بايدن!

أحمد الفيتوري

صراخ الصحراء الصامت

عبدالحكيم الطويل

اترك تعليق