قصة

أمرٌ غريب

Firefly Two men are sitting in a café, watching people in the square in front of the café, the cafe
اثنان في مقهى (الصورة: مولدة بالذكاء الاصطناعي)

1

اعتدل جدعون في جلسته على الكرسي الخشبي أمام مقهى “باقٍ على الدهر” يداري الملل ساهٍ مذهول تتلون الدنيا أمامه بأشكال متنوعة ، متوجة ، منطلقة بخيالها كأنّها حصانٌ جامح ، والمقهى متألق تفوح منه روائح القرفة والزنجبيل بينما الحياة تدب متدفقة في “البياصة” المجاورة للمقهى ..

2

مالبث جدعون أنْ أستدار على الكرسي وبضحكة باردة لا معنى لها قال بعد تردد وأنتقل من الملل إلى القلق : إنّه لأمر غريب ما يجري في هذه الدنيا ، حقاً أنّه غريب ومشحون بتوقعات مجهولة ! بدا جدعون شديد القلق جالساٍ بجوار المقهى مستديراً على الكرسي ينظر أمامه .. الخريف يخطو بخطوات متسللاً إلى ردهة “البياصة” والأسواق المجاورة وعلى نافورة تجلس في وسط ” البياصة”.

3

ظلّ جدعون يراقب المارة وزبائن المقهى ويخفي الكثير من غيضٍ مكتوم ويهز رأسه متحيراً ويراقب “البياصة” . خلال دقائق قليلة حسم الأمر ، لأول مرة في حياته ، لم يعد يحسب أيّ حساب لبلايا والمكاين.

4

جليسه على نفس الطاولة بمقهى ” باقٍ على الدهر” تسمّر بصره للحظةٍ على ماء النوفرة يعلو ويهبط ، يهبط ثمّ يعلو في رداء أندلسي، أخذ يردد بصره بينه وبين الناس المارة في خشوع ، المقهى غير مزدحمٍ ، ليس كعادته، و”البياصة” أقل زحمة والمارة هواتفهم الذكية على آذانهم ، التعجب ظاهر على وجوهم . بدا مذهولاً ، حاول أنْ يقول شيئاً ، لا فرق بين الذاهل أو من يريد أن يكون ذاهلاً وغرق في حالة من الصمت العميق وبحدس غامض أزداد صمتاً.

5

أستدار جدعون مرة أخرى بالكامل ناحية جليسه وأطرق مُفكراً ثمّ ما لبث أنّ قال مُمتعضاً: أمرٌ غريب ما يحدث في هذا البلد! جذب فنجان القهوة بعصبية، شرشف الفنجان بما فيه ثم أخذ يتلمط مذاق بقايا الفنجان، جليسه يشرشف قهوته بعصبية خفيفة ممزوجة بشيء من التعب والحدس الغامض ، هزّ كتفيه ، يجتاحه أسى عميق متسائلاً باستغراب : ما الغريب؟ المقهى مازالت ترسل رأئحة القرفة والزنجبيل . والناس المارة مشغولون مع الهواتف الذكية . وحركة الحياة ثقيلة آليه تكررك نفسها ، وشبح رياح الخريف يملأ الهواء .

6

 بينما كان يطلب فنجان قهوة آخر، يكررجليسه نفس السؤال: ماذا تعنى ما الغريب؟ اَضاف كالمتحير مرة أخرى : لا أدري ما الذي تقصده من هذا السؤال: ما الغريب؟

7

على الفور ردّ حمدون: أحقاً لا تدري ما الغريب!؟ تفشى صمتٌ عجيب.. كلّ لحاله لجأ إلى تليفونه النقال . ما الغريب؟

مقالات ذات علاقة

الــفـخ

إبراهيم بيوض

قصتان قصيرتان

محمد دربي

لم يزل في الأرض متسع.. كلب معاوية في رفقة معاوية

محمد دربي

اترك تعليق