قصة

لم يزل في الأرض متسع.. كلب معاوية في رفقة معاوية

من أعمال التشكيلي الليبي علي المنتصر
من أعمال التشكيلي الليبي علي المنتصر

معاوية…

قبل خروجه من البيت في صحبة كلبه اعتاد معاوية أن يتأكد أنّ مفاتيح البيت والسيارة بين يديه ولا تفارقه، وأنّ تليفونه الذكي مشحون وطازة يغطي استخدام نقاله طوال اليوم كي يقتنص كل شاردة وواردة على النت، وأنْ صفحته على “الفيس بوك” مُنعنشة بـ “الّليكات” ذات الأقراط المشعشعة والقلوب الحمراء والضحكات ذات الهامات الصفراء وهي تقفز وتتطاير وابتسامات مرسومة معقودة الفم والأنف تفتح النفس وتطرب العين وتنجذب لها العقول، أجل:

وأنّ بنطاله المفضل (ماركة فرنسي) مكوي جيداً وملتصقاً بجلده على غرار بقية الشباب والموضات الجديدة السائدة في العالم، وحذائه الايطالي، أجل الإيطالي يلمع مثل لمعان البلور الهندي المصفى، على أن تظهر سكسوة ذقنه ممشوطة منتظمة زاهية وتلمع مثل فص الزمرد، على أن يتأكد أنّ محفظته في الحفض والصون في جيب بنطاله المكوي وبها كل ما يحتاج اليه من رخصة القيادة حتى بطاقة عضوية نادي شمشون لبناء الأجسام والأجساد الكمالية وعلى أنّ يتأكد بأنّ بطاقات الائتمان وبطاقة التأمين الصحي هي أيضاً في الحفظ والصون وأن صورة كلبه تتزين بها المحفظة ، أجل:

على أن يتأكد أنّه أغلق باب البيت بالمتراس وأحكم الإغلاق أشدّ اِحكامٍ، على أنْ لا ينسى أنّه قصّ أظافره وقبل ذلك استحم بالماء والصابون المُعطر وأبهج شعره بالشامبو الإيطالي، على أنّ لا ينسى كلمات رائعات تعلمها من شيوخ النت أن يقولها عند الخروج من البيت: “ما شاء الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله”، وعليه حفظاً لقامة رأسه وشعره الأجعد ألا ينسى أن يغمد الشنة و”يعنقرها” حتى تحميه من حر الصيف وبرد الشتاء وغبار الشوارع، أجل:

وقبل أن يدخل مبنى مكان عمله وقبل أن يلج مكتبه عليه أن يتعوذ بالله من شرّ “الشيطان الرجيم” ثلاث مرات، طبعاً في سرّه، وبينما يسير في الشارع عليه أن يقرأ المعوذتان من باب الحرص على حياته والنجاة من إيذاء من الناس غير “الرائقة” وحمايته من شياطين الجن والإنس وأغاني الهجر والفراق وأغاني المهرجانات وخطب الساسة ونصائح خبراء الصحة والتجميل والرجيم ونشرات الأخبار ونصائح خبراء السياسة قليلة المعنى، أجل:

وقبل أن يدخل مكتب مديره عليه أن يقرأ المعوذات مرة أخرى ثلاث مرات وفي السر لتفادي ضغط الدم وآلام الصدر من كثرة ما يتلقاه من ارشادات المدير وزعيقه المتواصل وارتفاع صوته على نحو لا يطاق وللوقاية من الصدع وفقدان الصبر والنظر، أجل:

وعليه في أوقات الفراغ عندما تحين عليه بعد التوكل على الله أن يقرأ مقالات الكُتاب والمثقفين التي تملأ الدنيا في خانات البوابات والمنصات الفكرية والإعلامية والتي يعرف أنها من دون جدوى أو فايدة وكثير منها لا يقول أيما شيء ولا تحرك ساكناً ولكنه يقرأها من باب الكساد والظهور بمظهر المطلعين النجباء والمثقفين النبهاء وعليه أن يستعين برياض الصالحين والحصن الحصين إذا قذفه الحظ دون اِنذارٍ لمتابعة ومشاهدة برنامج الاتجاه المعاكس وبعض البرامج الأخرى المليئة بالزعيق والنعيب.

كلب معاوية…

 ومرافق معاوية الوفي، كلبه الجريء والفطن، ذو الخفة والنباهة،  يفرح كلما مرق من باب البيت مرفرفاً  ذيله كلعبة في كفّ صبية مرحة، يخرج في صحبة معاوية منشرح الصدر لاهثاً بارتياح، يخرج رافع الرأس مسرعُ الخطوِ والجري، شامخ الأنف، لا يقصّ أظافره، ولا يلبس بنطالاً فرنسياً ضيقاً، لا يحمل معه مفاتيح البيت ولم يلمس في حياته مفاتيح السيارة ولا يجيد القيادة وليس لديه محفظة فيها رخصة وبطاقات ائتمان أو صورة لمعاوية، ولا يحتاج إلى تأمين صحي ولا تأمين سيارات، ليس لديه حساب في البنك، ولا يكتب مقالات على صفحات بوابات الطرش، ولا يحمل حقيبة عمل، ولا يرافق التليفون الذكي واهب المسرات ولا يعرف حتى إنْ كان يوجد في الأصل هذا الذكي الوديع، بلى:

وليس عنده صفحة على الـ “فيس بوك”، ولا يغرد على التويتر وليس له أصدقاء على الواتساب أو الماسنجر وليس من شأنه اغلاق البيت أو أخذ صفيحة الزبالة خارج البيت، ولم يستمع إلى شيوخ النت كي يقول عند الخروج من البيت: “توكلت على الله”، ولا يحب أن يغمد الشنة فوق رأسه، وهو يعرف الشنة ولكنه لا يطيقها ويخفي ذلك عن معاوية حتى لا يغضب منه، ولا حاجة له للتعوذ بالله من شر المخلوقات أو القطط المتلبسة بأرواح الجن والشياطين لأنه يعرف أنّه في فقه الكلاب ليس للقطط والكلاب عالم من الجن والشياطين كما عند الإنسان، بلى:

 كلب معاوية يخرج كل صباح من دون نقود أو مفاتيح أو “موبايل”، يخرج من دون شنة أو “رنة” أو شمسية تحميه من حرّ الصيف ومطر الشتاء، كلبُ حرٌّ طليقٌ يخدمه معاوية ويعتني به جمّ عناية.. كلبٌ ليس مثقفاً مثل بقية المثقفين المتنورين ولا يقرأ المقالات والمدونات ولا يستمع للبرامج السياسية أو نشرات الأخبار، غير أنّ أحيانا يحب أن يشاهد المسلسلات التركية عندما يشاهدها معاوية ويبتهج لرؤية الحسان التركيات الفاتنات ويتمنى في سرّه أنّه رجل تركي يقف الصقر فوق ” شنابته” حتى يمكنه وهو في اسطنبول اقتطاف اِحدى الحسان، ويعشق اللهجة السورية ايما عشق كما يعشق الحسان السوريات ويطرب للهجتهن ودلال عيونهن، بلى:

يغضب قليلاً ويدخل أحياناً في نوبة من الكآبة إذا رأى أن معاوية يسب ويشتم في برنامج الاتجاه المعاكس أو أيّ بعض البرامج الليبية في القنوات الفضائية الليبية أو بعض الأغاني الليبية، يتمنى أن يتعلم معاوية كيف ينصت جيداً دون غضبٍ ونرفزةٍ بلى:

كلب معاوية لا ينسى أن يحبّ صديقه المخلص، يحبه من دون شروط ومجاملات ونفاق، يحبّه في كل لحظة ويستأنس به طوال الوقت، يحميه في الأوقات من شرور الأنس والجن. كلبٌ لا يعاتب ولا يلوم ولا يجافي ولا يتعنطز ولا يتفلسف ولا يدعي أنه ضليع في قواعد اللغة العربية وليس له خصوم في المدينة إلا من بعض القطط الشرسة وبعض الكلاب الأخرى التي قد تشاهد الحسان التركيات، لا يعرف الأرق أو الذل او الخوف او الجوع أو النفاق أو الكُبر أو العنطزة الليبية والفخفخة الزائدة على الفاضي وليس له سيف في غمده ولا يحمل مسدساً ولا يركب دبابة ولا يعرف الانقلابات العسكرية، بلى:

 كلب معاوية لا يملك “مولاً” أيّ سوقاً كبيراً وسيارات فارهة مزدانة الألوان والموديلات وفيلات فسيحة في تركيا وشرم الشيخ يمرح فيها جيش ابو زيد الهلالي ولا علاقة له بجنة ألف ليلة وليلة أو شهرازاد ولا يغتاب أحداً في المقاهي والمساجد والجوامع وقاعات الجامعات وعلى الفيس بوك ولا يشتم أحد على أرصفة الطرق ولا يحتاج إلى المعوذات، بلى:

ولا ينتمي لأيّة قبيلة أو عشيرة أو عائلة كبيرة متغطرسة ولم يكن له وزير أو رئيس وزراء من قريب أو من بعيد في أي  حكومة فاشلة  من الحكومات الفاشلة في حقبة الاستقلال أو في عصر “الجماهيرية” أو في عصر البطولة والإباء، ولم يقرأ عن “الصراع الطبقي” ونمط الإنتاج والعلاقات الاجتماعية  والتفكير الناقد والثورة الثقافية والكومبرادور والمادية التاريخية والفكر الليبرالي ونظرية كأس اليأس في الزمن الرّخو،  ولم تستهويه الليبرالية الجديدة في محو الأمية الثقافية، ولا يعبأ بانقطاع الكهرباء في المدن الليبية قبل العصر وبعد العصر وما بين الفجر والمغرب وعند نزول المطر وانتشار الجفاف، بلى:

ولم يشارك بعوض المستنقعات في الرقص والبحث عن دمٍ مهدور في مكان ما ولا يبالي بما يسمع من الصراخ والشتائم على الفضائيات أو مواقع التواصل الاجتماعي ولم يبع الأدوية فاقدة الصلاحية للناس المرضى ولا يسرق أو ينهب المال العام ويبني به ” مولاً” في بلد خارج ليبيا ولا يؤجل الانتخابات لإنه لا يفهم ما الحاجة اليها في بلد غير ديمقراطي، بلى:

وكلما يرى معاوية يفرح ويطرب ومع قليل من الألم يخشى على معاوية من معاوية ويخشى من معاوية على معاوية.

مقالات ذات علاقة

امرأة من بنغازى

سعد الأريل

العين السحرية

خديجة زعبية

الصَّرْخَة…

أحمد يوسف عقيلة

اترك تعليق