طيوب عربية

قهوة تركي

قهوة وبحر (الصورة: عن الشبكة)

كعادتها اليومية كل صباح تجلس على المقعد الخشبي أمام البحيرة، تتأمل إبداع الخالق، يخفق قلبها بشدة لسماع صوت الطيور تحلق بالقرب منها، تتمنى أن تشاركها التحليق والابتعاد في الأفق دون النظر للخلف أو البكاء على ما فات، عيناها الجميلتان الفاترتان بلونهما القاتم تنظر للعالم من خلف لوح من الزجاج الشفاف، لا تظهر أي انفعال بالسعادة أو الحزن، شغفها بمتابعة الطريق لم يكن عاديا وأوهامها لا تنقطع أبدا.

تجلس بلا حركة حتى ظن الجميع أنها تمثال من شمع على وشك الانصهار من حرارة شمس أغسطس، أو التجمد في برد ديسمبر، لا تغادر المكان إلا عندما تتوسط الشمس السماء، تدير ظهرها للبحيرة وتخطو خطوات مضطربة، تصل إلى باب البيت فتتذكر أنها لم تطعم قطتها منذ أمس،تبدأ في الَهْمَهمة تلعن ذاكرتها،وتلعن القطة، وتسرع في وضع الماء والطعام لها، تنظر إليها ببرود وتعتذر، وقبل أن تتركها تلقي لها بوعد عدم نسيانها مرة أخرى.

تعبر الباب إلي غرفة الجلوس كأنها تعبر أحد الكهوف المظلمة التي ليس لها آخر، تدير موشر المذياع ، تنطلق الموسيقى، تجلس بجانب  الَّنافذة تنظر إلى حديقتها الصغيرة تأَسف للَّريحانة التي ماَتْت منذ فترة عندما أصاب العطب مواسير النشادر في مصنع الثلج القريب لتنطلق في الجو وتحرق النباتات دون رحمة .

تحول بصرها إلى شجرة الرمان وحيدة الفرع التي تذكرها بعقمها، تنهار،تتلَّمس الَّتجاعيدالعميقة في وجهها،لم تخط الُّسنون تلك الَّتجاعيد،ولكن خطتها الوحدة والحزن والعيش دون ولد،تنظر في المرآة يتعرق جبينها بشدة.

تشفق على رحمها العقيم وعلى شجرة الرمان، حملت ذنب عقمها على ظهرها ثقيلا مثل جوال من الأحجار، وبعد مرور تلك السنوات الطويلة مازالت الأحلام الجهنمية تراودها، أصبحت واهية لا تتحمل حتى الأحلام.

التواريخ المشؤومة التي تذكرها برحيله ليجوب العالم ويحصل على المرأة التي تَهبه ولدا.

ترك البيت والحب سعيا وراء الولد، ذهب ليحيا بسعادة بجوار أخرى تقد مت إلى طاولة الطعام وجلست، أشعلت عودا من الكبريت، ووضَعْت كنكة القهوةعلى الموقد الصغير، وظَّلْت شاردة، وعندما بدأت في الغليان رفعتها، وصبت  فنجانين، وضعت واحدا أمامها والآخر باتجاهه منتظرة عودته لاحتسائه

مقالات ذات علاقة

معرض الرياض الدولي للكتاب

المشرف العام

قاسم إسطنبولي يطلق أسبوع الفيلم السوداني في المسرح الوطني اللبناني

المشرف العام

التنوع الثقافي والنزعة الإنسانية والتأويل اللغوي

إبراهيم أبوعواد (الأردن)

اترك تعليق