شخصيات

يتمثل الإنسانية في شعره

حسن السوسي.. من أعلام الشعر في ليبيا

الشاعر حسن السوسي (الصورة: الشارقة الثقافية | العدد السادس والثمانون، 1 ديسمبر 2023م.)

جمالية الشاعر تتجلى حينما يمتلك لغة طيعة على صوغ المعاني، بخيال خصب وصدق عاطفة وبراعة استهلال وحسن خاتمة، وهذا ما توفر وبكثرة لدى شاعرنا (حسن أحمد السوسي) ابن واحة الكُفرة الليبية، الذي نعت بشاعر الوطن وشاعر الغزل الخجول، فهو يستحق وبجدارة أن يكون من أعلام الشعر الليبي، لما يمتلكه من سعة في الخيال، وجودة في السبك والإبداع، متأثراً بجمالية القصيدة الكلاسيكية بلغة رصينة، ومفردات غاية في الرقة والعذوبة، فكانت شاعرية (السوسي) صادقة غير متملقة ولا كاذبة، كان شعره يحكي وجدانه ويصور عاطفته الجياشة، أصدر أكثر من عشرة دواوين شعرية، وذاع صيته كشاعر متمكن من القصيدة العمودية، وزار أغلب العواصم العربية، وحاز العديد من التكريمات.

 كان مولده في العام (1924م) بمدينة الكفرة في جنوب شرقي ليبيا، وما لبث أن هاجرت به أسرته إلى مصر، هرباً من بطش المستعمر الإيطالي، وقد استقرت العائلة في محافظة مرسى مطروح المصرية، كغيرهم من الليبيين المهاجرين، وخاصة السنوسيين الذين تربطهم بعائلة السوسي علاقات وثيقة.

تلقى (السوسي) تعليمه الأولي في مصر، وحفظ القرآن على يد والده وغيره من المشايخ، والتحق من بعد ذلك بالأزهر الشريف حتى حصل على الشهادة الأهلية الأزهرية عام (1944م).

وبعد عودته إلى ليبيا تم تعيينه في مدرسة الأبيار القريبة من بنغازي، ومن ثم عمل مديراً فموجهاً تربوياً إلى أن تقاعد عام (1988م)، وقد كتب قصيدة إلى بنغازي مازالت حاضرة رغم غياب صاحبها نذكر منها:

يا أهل بنغازي .. ويا بنغازي

من ذا يكافئ فعلكم ويجازي

بعض المدائن أهلها وفعالهم

 في القلب يشبه مثقب الخراز

لكن أهلك في الجراح بلاسم

وطرازهم في الناس أي طرازِ

هيهات قصّر عن مدارك كل من

ظن الكواكب سهلة الإحراز

وقد تأثر (حسن السوسي) بالحياة الثقافية المصرية، منذ أن تفتحت عيناه على شغف الكتابة والشعر، وبعده عن وطنه أورثه مشاعر الحنين للوطن، حيث تنقل بين دول عربية مثل لبنان وتونس، فكتب أعذب القصائد في حب الوطن وتمجيده دون محاباة، بل لنوازع داخلية نابعة من ذات شاعرية تؤمن بتقديس الوطن والأرض، حتى نبوغه في الغزل لم يكن إلا إشارات ضمنية لوطنه وأرضه ومحبوبته التي قاسمها أبياته العفيفة دون تكلف أو تفحش، وقد نشر شاعرنا (حسن السوسي) قصائده في عديد من المطبوعات المحلية والعربية.

ويعد رائداً من رواد الشعرية الكلاسيكية الليبية، وقد تتلمذ على يد الشاعر الليبي أحمد رفيق المهدوي، وعاصر السوسي الشاعرين الكبيرين رجب الماجري وراشد الزبير السنوسي، اللذين عرفا بصداقتهما الحميمة لشاعرنا.

كما شارك (السوسي) خلال مسيرته الشعرية في الكثير من مهرجانات الأدباء المغاربة والأدباء العرب، في كل من طرابلس وتونس والجزائر والقاهرة وبغداد.

ولأنه شاعر مطبوع، جاءت لغته الشعرية غاية في الصفاء والتركيز، وبناء المضامين والمقاصد الرصينة، إلى جانب كونها لغة شديدة الحساسية والرقة والالتزام والشفافية، حيث كان حسن السوسي ينتقي صوره الشعرية بذكائه الحاذق، ويلون كلماته التي تعانق الحب، والوطن والجمال والحياة، والمرأة، فكلماته دائماً تسحرُ القلبَ وتربكُ نبضاتِهِ، فكان متميزاً في كل نتاجه الإبداعي، ممسكاً بناصية الحرف والمعنى.

من دواوين الشاعر حسن السوسي

كتب عنه الشاعر (علي الخَرَم) بأنه: «شاعر لا تتسرب الرتابة إلى عالمه لأنه يجدد دائماً ما يستثير الدهشة، ولأنه يلمح دائماً ما يدل على أن قدراً من براءة الحياة قد استعصى على الاندثار، وفي هذه الخلفية نستطيع أن نتذوق عذوبة ورقة الحب الإنساني في شعره، وأن المرأة التي تلوح من بعيدٍ وليست المرأة التي تجلس قريباً منها بحيث تشعر حرارة أنفاسها، وخلاصة القول إن الشعر عند «السوسي» طبيعي يتمثل الإنسانية، وثمة صورٌ رائعةٌ في عذوبتها ووصفها، وأيضاً في دلالتها وفي تناسق وتماسك بنيانها وفي جمالياتها».

وفي تصريح صحافي له قال السوسي: (أحب الشعر إلى قلبي هو الغزل، لأنه يخاطب الوجدان ويتعلق بالعاطفة والإنسان، والوجدان قبل كل شيء في اعتقادي)

ولعل قصيدة (امرأة فوق العادة)، تعتبر من عيون الشعر الليبي الدالة على شاعريته المتدفقة، وهي قصيدة طويلة يقول في مطلعها:

من أعنِيها لا تشبهها امرأة أخرى

يضحك في عينيها فرح الدنيا

تلك امرأة أخرى

تلك امرأة فوق العادة

ولقد أثرى شاعرنا حسن أحمد السوسي المكتبة العربية بأكثر من (10) دواوين شعرية منها: الركب التائه صدر عن وزارة الإعلام الليبية (1963م)، وليالي الصيف عن دار الخراز (1970م)، ونماذج عن الدار العربية للكتاب (1981م)، ونوافذ عن الدار العربية للكتاب (1987م)، والمواسم عن الدار الجماهيرية (1986م)، والزهرة والعصفور عن الدار الجماهيرية (1992م)، والفراشة عن مجلة الثقافة العربية (1988م)، والجسور عن الدار الجماهيرية (1998م)، وألحان ليبية عن الدار الجماهيرية (1998م)، وتقاسيم على أوتار مغاربية عن الدار الجماهيرية (1998م).

وفي (21 من شهر نوفمبر عام 2007م)، يصل الشاعر حسن أحمد السوسي إلى نهاية المطاف، حيث وافته المنية في العاصمة التونسية عن عمر يناهز (83) عاماً، ليعود إلى وطنه ويدفن في مدينة بنغازي، وكأنما كتب عليه أن يشهد وطنه ليبيا لحظة ميلاده، واحتضان جثمانه، وبينهما رحلة عامر بالإبداع والتأسي والحنين والحب والجمال والغربة، التي أثرت في تكوين شخصيته منذ نعومة أظفاره، فأورثته الشجاعة والتعقل والشاعرية، التي عرف بها بين أقرانه ومعاصريه.


الشارقة الثقافية | العدد السادس والثمانون، 1 ديسمبر 2023م.

مقالات ذات علاقة

الذكرى الـ25 لرحيل الشاعر الغنائي محمد مخلوف

رامز رمضان النويصري

الشيخ عبد اللطيف أحمد الشويرف

المشرف العام

25 عامًا على رحيل بنت الوطن

مهند سليمان

اترك تعليق