قراءات

توظيف الحوار في رواية تلاحم الحواس للكاتب المبدع: محمد التليسي

رواية (تلاحم الحواس) للكاتب “محمد التليسي”

حركت رواية تلاحم الحواس المشاعر الإنسانية بصورها الصادقة والواعية عندما تقرأ الرواية تستيقظ أحاسيسك الرقيقة بأبعادها الاجتماعية والإنسانية إنها رواية التأمل للرجوع إلى عالم الصفاء والمحبة في أجواء غربة الجسد والروح.وظف الروائي الحوار بتقنيات متعددة نذكر منها:


1- الحوار الخارجي:
اشتغلت الرواية على الحوار الخارجي في أماكن مختلفة من الرواية وبطرق متنوعة تارة في كشف غموض الشخصية والتعرف على أبعادها النفسية يقول الروائي: ( اسم اللوحة عندما كنت في الرابعة عشر من عمري واسميتها الطريق إلى أخي هذه اللوحة من أحب اللوحات إلى قلبي حينما رسمتها كنت أعبر فيها عن شوقي لأخي وحلم اللقاء به لم أدعها تكمل حينما وجدت نفسي أسألها فجأة : أين هو أخوك؟) كشف الحوار حركة الشخصية وقوة ظهورها في أحداث الرواية وتأثيرها العاطفي على البطل. أظهر الحوار الخارجي لحظات التوتر والانفعال الدائر بين عمر وندى ( عمر أرجوك لا تصرخ هكذا) تتصاعد المقاطع الصوتية في النص وأصبحت مؤثرة في نفس المتلقي تحثه على التشويق ومتابعة الحوار الذي يغذي الأحداث بالصراع بين الشخصيتين وهذا يدل على مقدرة الروائي على تنوع الحوار بين الهدوء تارة والتوتر تارة أخرى وإثرائه في الرواية.حقق الحوار نجاحا كبيرا في الربط بين الماضي والحاضر فبعد إصابة ندى بمرض السرطان تخلى خطيبهاعنها لأنها فقدت جمالها فكانت صورة الماضي تسيطر على الحاضر بسرد الذكريات المؤلمة مع عمر ( ياله من مرض معين . إنه مرعب مفزع وهو أكثر شيء يخيفني في الحياة) ففي الحوار إثارة فنية قيمة حيث استيقظت الذكريات الحزينة لشخصية ندى فقدمت للقارئ تفاصيل الحدث لزمن الماضي وبرؤية الحاضر وهذه الجمالية أكسبت النص أبعادا إنسانية في الحوار الثنائي بينهما. كان حضور الحوار الخارجي جميلا أضاء الأحداث وكشف مفاصل النص في بنيته الفنية.

2- الحوار الداخلي:
اشتملت الرواية على الحوار الداخلي والمناجاة مع النفس ( استيقظت باكيا بعد أن كنت في قيلولة طويلة ؛ كنت قد انتقلت من النعاس إلى الأرق كان وعيي يتعرف في العتمة على أشياء غرفتي ومسمعاي يتعرفان على رتابة البحر وأنفي مسامات جسمي البرد القارص ولكن الصورة الرهيبة كانت ما تزال هناك طافية في مخيلتي) إنني حزين حتى في أحب الأماكن لقلبي حتى مع أقربهم إليه)اتسم الحوار الداخلي في التعبير عن المواقف التي تواجه الشخية والنظر في كيفية الخروج من المأزق أحيانا وفي استرجاع الأحداث أحيانا أخرى ، كان الحوار الداخلي يصور مشاهد متعددة من جهة وبين تنوع الأمكنة ووصفها واسترجاع الذكريات فيها من جهة أخرى لقد استغرق الراوي في الحوار الداخلي وقتا طويلا من الرواية فقطع الأحداث وأبعد المتلقي في التواصل مع الرواية.


3- الحوار السردي:
اعتمد الروائي على التقاط صورا متنوعة من حياة البطل اليومية معتمدا على تفاصيل لحياته اليومية (رحت أعدل من هيئتي على كميرا الهاتف ألقيت نظرة على شعري المصفوف إلى الخلف بطريقة مائلة إلى اليمين ووجدته على أفضل حال، بعدها رحت أعدل الجاكيت السمائي الذي كنت أرتديه وأرتدي تحته قميصا ابيض وبنطلون أسود) اشتمل النص على الحوار السردي الذي يصف العادات اليومية للشخصية وقدم المشهد لحياة البطل غارقا في السرد فانفصل القارئ عن المواقف والأحداث ليستريح مع سلوك الشخصية وطريقة حياتها وأحاط الروائي بالوصف الخارجي للشخصية عن طريق سرد ملامحها ومظهرها.وهنا تظهر قدرة الروائي على الغور في النفس الإنسانية ورسم هيئتها للقارئ.


4- لغة الحوار:
سار الحوار في الرواية سيرا جميلا تنوعت أنماطه داخل النص وقدمت للقارئ مفاتيح الحياة بلغة سهلة سبكت بتلاحم المشاعر والإنسانية واللوحات الفنية والوصف لأماكن متصلة بالشخصيات من الغرفة إلى المقهى إلى الحياة الفنية المتمثلة باللوحات الفنية ونسجت بحوار ونقاش يحمل الحكمة والتاريخ والحياة الإنسانية بأبواها الواسعة وكرر الروائي كلمة تلاحم الحواس في أماكن كثيرة في السرد فتعمقت معانيها وأعطت الكلمة دلالة في النص ( وصلت الشارع الرئيسي وحواسي كلها لازالت سعيدة ) ( كانت كلها احتفال لحواسي لشدة افتناني بها) تحركت كلمة الحواس عند الشعور بالاطمئنان وبالحب وبصدق المشاعر الإنسانية. إن لغة الحوار في الرواية ترتفع بمضمونها الاجتماعي وذكر الأكلات الليبية والعربية كالعصبان ، والعصيدة ، وتطرقت اللغة إلى المدن العربية والغربية والتاريخية مثل (كليو بترا)( قصور الإسكندرية) الكورنيش وإلى الفن الأدبي كرسائل إلى كافكان، دوستويفسكي واستمر الروائي يقدم الثقافة الجميلة ممزوجة بالحوار بين الشخصيات وبين الحداثة بأصنافها المختلفة كقوله( دخلت إلى الفيس بوك أفتش عن ندى مجدي… كان حسابها مرتب وأنيق كما يليق بفنانة مثلها) تميز الحوار بجمالية النص الروائي بين القديم والحديث واتخذ من اللغة معبرا للأفكار والأحاسيس فتلاحمت حواس القارئ مع رواية تلاحم الحواس .

مقالات ذات علاقة

صالح بن دردف… وحكايات بنغازية (1)

سالم قنيبر

دراسة أكاديمية في القصة الليبية القصيرة

إبراهيم حميدان

للشِّعْرِ أمسٌ وقمرٌ وأشذاء

جمعة الفاخري

اترك تعليق