• بحيرة تريتونس… التي كانت تحيط بيوسبيريدس لحق أطرافها الجفاف وأصبحت مياهها ضحلة وتفككت وتحولت إلى سبخ… تريتونس التي شهدت مولد الإلهة أثينا المنبثقة من رأس أبيها كبير الأهة زيوس المستقبلة من الحوريات الليبيات اللائي قمن بغسلها بمياه البحيرة المقدسة.. وهي البحيرة التي استقبلت السفينة آرجوس التائهة وبحارتها جاسون ورفاقه وأنقذتهم من الغرق.. أكوام من الملح.. وسبخ.. بن يونس.. السلماني.. الصابري.. وجليانة.. وألم بيوسبيردس ما ألم من نوائب الزمان .. وتحولت إلى أنقاض ولحقت بها برنيق.. وعلى أطلالهما بعد مرور المدى من الزمن.. قامت أحياء المرابطين الأسياد.. سيدي عبيد… سيدي خريبيش.. وبقية الأحياء.. زاوية.. مقبرة.. وفقيه مرابط.. من أرض المرابطين وافد.. يحمل الحي اسمه.. واتسعت الأحياء وتقاربت.. ثم التحمت لتتشكل منها بنغازي التي تروى عنها ومنها الحكايات.
• وتلك المقدمة لقراءة أو تصفح لعمل قصصي للفنان الرسام والكاتب والإعلامي المحترف صالح بن دردف -حكايات بنغازية-.. بين واقع يتمثل كتابة، وخيال يخترق وجوده.. تروى بعض الحكايات.. وعلى شواطئ بنغازي واللثامة، الشابي، توريللي وآبارها .. وصيادو السمك الذين يستعملون لصيدهم الجيلاطين.. مشاهد وصفية متلاحقة ومثيرة مصورة بريشة فنان.. الملعب البلدي.. ومعمل شفيق خزام.. وسوق التركة.. والفندق البلدي.. وحركة الحياة النشطة المتسارعة التي تجذب إاليها المغامرين (نماذج مختلفة من الناس أفرزتهم سنوات الحرب التي مرت على البلاد)… وفي زمن قبل هذا الزمان ولى.. يستعيد الكاتب ذكريات طفولته وعما كان من انتشار وجود ظاهر للطرق الصوفية وأتباعها ومريديها ومظاهر الإحتفالات الدينية التي كانت تمارس في زواياها.
• وهذا (سي مفتاح) الذي يستهل بذكره أولى قصصه يقدم نموذجا مستوعبا لمريدي تلك الطرق -وجه أعرفه-.. وعندما إقترب مني عرفته أنه هو – كما كان منذ سنوات طويلة مضت -.. إنه سي مفتاح (الذي يعتمر غطاء رأسه الأحمر ويلف حول وسطه شملته الحمراء.. ولا زال ذلك الجرح الغائر يحتل جزءا بارزا على جبهته العريضة.. وذلك الوشم الذي يغطي مساحة كبيرة على ذراعيه. ويطوق معصم يده بذلك السوار الجلدي الأسود رمز الفتونة واستعراض القوة).
• ويعود الفضل في انضمام سي مفتاح إلى عيساوية زاوية جامع بوغولة – كما ورد في القصة – إلى شيخه (سي الهادي ).. “الذي أصر على ضمه إلى عيساوية الزاوية وأختاره بعد شهر واحد – كما يقول – (شاوشا) لبقية الأتباع والمريدين وأعطاه كلمة السر السبعة وسقاه الورد الذي حفظه عن ظهر قلب.. وتحول بعدها إلى سبع كاسر له قدرات وخوارق في ضرب (شواقير الحندوشية)، ومنحه طلاسم السر الأكبر في طعن جوفه بثلاثة أو أربعة سيوف محمرة باللهب في آن واحد”.
• سي مفتاح … وبفضل الأوراد التي أخذها عن شيخه (سي الهادي) تمكن من (الفتك) بأشباح جامع بوغولة وجامع النخلة وطاردها شبحا شبحا وحرم عليها العودة إلى شوارعهم.. ذلك مما كان يخبر به صغارالشارع ويقصه عليهم وهم يتحلقون حوله مأخوذين في ليل سمرهم.
• ومن (البركة) وجامع بوغولة ينتقل بنا الكاتب إلى قرية اللثامة ليقص علينا.. خبر (عمي حامد).. الذي نراه عند الغروب يجلس وحيدا على شاطئ البحر يتطلع إلى الأفق البعيد.. ولا شيء يعكر عليه صفو وحدته وهدوء قعدته.. سوى تلك الرغبة المزاجية (الملعونة) في الحصول على عيار لاقبي يعيد إليه توازنه ويمضي به ليلته… مجرد عيار واحد فقط.. كفيل أن يطرد عنه هذا السأم الجاثم على أنفاسه.. ويعيد الصفاء والثبات إلى نفسه ويجعله أسعد الرجال في هذه القرية المحاصرة.
• بسبب تلك الوشاية من قبل أحد مريدي زاوية القرية التي أودت بصاحبه مسعود إلى السجن.. عندما ضبط متلبسا باستحلاب اللاقبي من إحدى نخلات سانيته.. كانت تلك الحملة الرقابية المكثفة التي تشهدها قرية اللثامة بأمر من ناظر الداخلية. وهذه اللثامة وقد لفها الليل وبدا المكان مهجورا إلا منه.. ولم يعد يسمع في تلك الساعة إلا نباح الكلاب القادم عواؤها من كل مكان.. وكسا الظلام كل شيء وأمسى كل جيرانه في أكواخهم.
• وها هو وحده.. يغفر المكان (ويتحسر كمدا من أجل عيار لاقبي).. وحيدا منطويا كذكر بوم.. يفترش رمال الشاطئ تتزاحمه الأفكار والوساوس.. وتحرقه نار الرغبة والوحدة.. وتتراءى أمامه أطياف جلسات الأمس ورفاق السمر ووجه مسعود الموشى به… فقرات مستخلصة من هذه القصة (الكبسة)… وليست هي كل القصة.. التي اتخذت مسارا للخيال تمت صياغته واقعا. ومع عرض للمزيد من هذه الحكايات البنغازية لصالح بن دردف سيكون لنا لقاء إنشاء الله في مقال قادم.
بنغازي، الإربعاء 22 مارس 2017
_________________
نشر بموقع ليبيا المستقبل