سالم البرغوتي
حين توقفت في الإشارة الضوئية التي كانت تسمح بالمرور الفردي لكل مسار. كانت السيارة المتوقفة أمامي يقودها شاب وبجانبه أخر يتبادلون الحديث والقهوة والسجائر في انتظار الضوء الأخضر للسماح لنا بالمرور.
تفاجأت بشرطي المرور الذي ينظم حركة السير يلقي بالتحية على الشابين وينحني على نافذة السائق الذي أعطاه سيجارة ورشفة من القهوة ثم طلب منه مواصلة سيره رغم أن الإشارة مازالت حمراء.
في موقف أخر كان شرطي الأمن العام المكلف مع أخرين بحماية المصرف. يراقب حركة الدخول والخروج وانتظام طابور آلة السحب الآلي خارج مبنى المصرف وكنت أقف في الطابور لسحب مرتبي. كانت الأمور تسير بشكل جيد إلى أن توقفت سيارة أمام المصرف يقودها شاب ثلاثيني يحمل بطاقة سحب في يده. تبادل التحية والعناق مع الشرطي وسلمه البطاقة وعاد ليجلس في سيارته.
طلب الشرطي من الزبون الذي كان يقوم بإدخال رقمه السري للسحب بالابتعاد والتنحي جانبا ليقوم هو بسحب المال لصديقه الجالس في سيارته دون أي احترام للواقفين في الطابور.
في الحادثتين مؤشر صادم لفساد أخلاقي واجتماعي بدأ يتفشى في كل مناحي حياتنا اليومية كظاهرة يمكن أن تصبح طبيعية وسلوكا عاديا يتعود الناس عليه تحت وطأة الظلم والمحسوبية ويقود إلى فساد أكبر.
فالفساد هو سلوك ينتهك كل القواعد والضوابط التي يفرضها النظام أو أي سلوك يؤدي إلى إساءة استخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب مادية أو اجتماعية كما أنه يؤدي إلى انهيار النسيج الاجتماعي وإشاعة الكراهية بين طبقات المجتمع ويعيق مشروعات التنمية وإهدار موارد الدولة وهروب الاستثمارات الوطنية والأجنبية.
وتشتد وطأة الفساد عندما يكون مصدره جهات مناط بها محاربة هذه الظاهرة.
قد يكون المثالين السابقين ساذجين في نظر الذين يرون فسادا أكبر في مفاصل الدولة لكنه يدفعنا إلى سؤال مهم. ما الذي يجعل شرطي مرور أو أمن أن يفعل ذلك وأن يسيء استخدام وظيفته المكلف بها على هذا النحو؟
في اعتقادي أن ذلك ربما سيجعله يفكر في استغلال وظيفته لأمور أكثر خطورة فعلى سبيل المثال لا الحصر. التستر على جريمة قتل أو سرقة بالإكراه.
ما حدث في إشارة المرور إشارة لجهوزية الفرد نفسيا واجتماعيا لاستغلال وظيفته من أجل تحقيق مكاسب ومنافع حتى وإن كانت اجتماعية وليست مادية.
في ليبيا أنشئت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ومنحت صلاحيات واسعه تصل إلى تجميد أي أموال يشتبه في أنها متحصلة بطرق غير شرعية ومع ذلك فقد اقتصر دور الهيئة على تلقي إقرارات الذمة المالية من كبار موظفي الدولة والاحتفاظ بها في أدراج المكاتب كما أن قبول التوظيف في الهيئة نفسها لا تخضع لمعايير قانونية صارمة.
وفي تقديري أن التقرير السنوي لديوان المحاسبة يجب أن يتابع من هيئة مكافحة الفساد في الشق المتعلق بالفساد كون أن هذا التقرير صادر عن جهة اعتبارية ومختصة ومحترفه في كشف الفساد في أجهزة الدولة.
إن محاربة الفساد هو قضية ترتبط بسلوك الأفراد والواعز الديني والأخلاقي والوطني يدفعنا إلى تسليط الضوء على مخاطره وتداعياته من خلال إعداد مناهج تربوية يتم تدريسها في المؤسسات التربوية لتربية النشأ على محاربة الفساد وتبيان اضراره على المجتمع وانهيار الدولة