العبارة التي ترددت على أكثر من لسان حين الفاجعة: يوم القيامة!
لم ينتابها مثل هذا الشعور من قبل.. أبداً لم تجربه.. حتى عندما رحل قبل سنوات أربع رفيق عمرها بشكل تراجيدي غير مسبوق بالنسبة لها، غرق في البحر عندما أسرع لنجدة أحد المصطافين، الأمطار في الخارج متخطية كل تصور في انهمارها، ترتطم بالحيطان موشكة اقتلاعها من مكانها، فشلت مرة و مرات أن تبتلع ريقها، كل شيء بها تخشب، صغارها الخمس من حولها أجبرهم مرآها أن يسعى كل منهم و بذاته إلى الالتحام و التشبث بها، ابنتها البِكْر حواء بسنواتها الخمسة عشر، و قد احتضنت صورة والدها، في ذهول تحاول استيعاب ما يجرى، بدأت المياه تدفع الباب بعنف، صرخ الأصغر فزِعاً، لم يلتفت إليه أحد، هول ما يجري كان أكبر من أن تشدهم صرخة’، سأل الأوسط ما الذي يجري يا أمي؟ لم تتردد الأم حين أجابت و هي تتطلع ما حولها: أنه يوم القيامة يا صغيري، زاد ذهول الصغار تبادلوا النظرات سأل أخر ماذا نفعل؟ أجابت الأم واثقة، رددوا الشهادتين، هيا قولوا مثلي: لا إله إلا الله محمد رسول الله، في الحال نفذ الصغار ما طلب منهم، زاد إحساس الأم بالخطر، صرخت فيهم إلى الطابق العلوي، و أمرتهم ألا يتوقفوا عن ترديد الشهادتين، متأملة أن يسهل الله مغادرة الروح الجسد، أسرع الصغار إلى الطابق العلوي، أخرهم كانت حواء، ما زالت متشبثة بصورة أبيها، لم تفكر في التخلي عنها، و لم تتوان عن تنفيذ أوامر أمها، حينها حدث ما لم يكون في الحسبان، المياه المتدفقة تحطم الباب و تدفع به و كما ريشة إلى الداخل، أحسوا جميعا و رأوا كيف أن المياه الجارفة أخذت تغمرهم و تتسلق أجسادهم و تهدد حياتهم، حين اندفعت خلفهم تتعقبهم كوحش إلى الطابق العلوي، وتعمل و بعنف على تفريقهم و تشتيت التحامهم، في الحال أصدرت الأم الأمر الأخير، إلى بئر السلم، لم يتردد الصغار كانوا خلفها، و احتواهم بئر السلم، لحظات و إذ بموجة كالجبل تضرب بئر السلم و تذهب به و بمن لجئوا إليه إلى حيث لا يعلم إلا الله عدا الابنة البِكْر حواء من علقت من فستانها بمشبك من حديد، استطاعت بعد ذلك و بكل ما تبقى لديها من جهد أن تتشبث به، و ظلت على حالها إلى أن تراجعت المياه. وبعد فترة زمنية عاشتها حواء في شبه إغماء انتبهت لنفسها لا أحد معها، اختفت أمها ومعها إخوتها لا أثر لهم، انتبهت لصورة والدها ليست بعيدا عنها التقطتها، ضمتها إلى صدرها، جلست في مكانها، أغمضت عينيها، في اليوم التالي شُوهدت فتاة تجرجر قدميها بين أطلالِ وركام تعيش حالة من الذهول، وقد أمعنت في احتضانها للصورة على صدرها، تمتمت لا بد أنهم الآن مجتمعين، ولابد أنه سألهم عني فأنا ابنته البِكْر ويحبني كثيراً، بنظرات زائغة وقلبٍ وجل لم تتوقف عن مراقبة المشهد من حولها، تساءلت ما الذي يجري؟ أين أنا الآن؟ هل ستكون لي قيامة وحدي؟ في الحال تقدم منها فريق من فرق المتطوعين الذين كانوا يتنقلون بين الأطلال وبشكل مكثف، كانت في مقدمة الفريق سيدة، لم تتباطأ تقدمت من حواء، حاولت أن تنتزع منها الصورة، رفضت حواء وبقوة، ثم أخذت تنظر إلى وجوههم تطلعت ملياً إليها، لم تعرف أحداً منهم، ارتعبت في حين تقدمت منها السيدة واحتضنتها بقوة وبكت بحرقة، قالت حواء للسيدة وهي ما تزال في حضنها: إنهم في انتظاري ولا أريد أن أكون سبباً في إطالة انتظارهم، لا بد أنهم قلقون علي، خاصة أبي، أفلتت نفسها من خضن السيدة، ومضت تجرجر قدميها وهي تتمتم.. إنها القيامة إنها القيامة.. لقد قالتها أمي وسبقتني وإخوتي إلى هناك، وما كذبت أمي قط.
2/10/2023م / درنة.