شعر

طوفان درنة

الخطاب الماي

درنة.. من أعمال التشكيلي الحروفي محمد الخروبي
درنة.. من أعمال التشكيلي الحروفي محمد الخروبي

تَجَمَّدَ الدَّمْعُ فِي العَينينِ مَا انْسَكبَا وَخَانَنِي الحَرْفُ إذْ نَادَيْتُهُ فَأَبَى
وَأَضْرَمَ الحُزْنُ نَارًا لَسْتُ أَحْمِلُهَا مَنَهَا الفَؤادُ غَدَا بِالجَمْرِ مُلْتَهِبَا
مِنْ هَولِ فَاجِعَةٍ لِلأهْلِ مُوْجِعَةٍ طُوفَانُ دِرْنَةَ عّمَّ الأَهْلَ وَالصُّحَبَا
فبينمَا القومُ فِي نَوْمٍ وَفِي حُلُمِ وَقَدْ طَغَى المَاءُ حَتَّى لَامِسَ السُّحُبَا
مُجَاوِزًا كُلَّ حَدٍّ كَانَ يَرْدَعُهُ فَلَمْ يَرَ حَاجِزًا جِسْرًا وَلا حُجُبَا
للهِ كَيفَ طَغَى والنَّاسُ نَائمَةٌ لا يَعْلمُونَ بِغيبٍ كَانَ قدْ كُتبَا
طوفانَ نوحٍ يُذَكِّرُنَا وَشِدَّتَهُ بِمَوْجِهِ كَالجِبَالِ الشُّمِّ مُضْطَربَا
عَمَّ المَدِينَةَ والظَلْماءُ حَالِكَةٌ وَالنَّاسُ فِي لَحْظَةٍ قدْ جَاوَزَتْ حُقُبا
عَالِي الطَوابِقِ لَمْ يَحْمِ الذِيْنَ بِهِ تَرَى البِنَاءَ لِعُمْقِ البَحْرِ مُنْسَحِبَا
والمَرْكَبَاتُ التي ظَنُّوا بِسُرْعَتِهَا تَنْجُو مِنَ المَاءِ حَالَتْ قِشَّةً، عَجَبَا
فَكَمْ رَضِيعٍ، وَكَمْ أمٍّ قَدِ التَحَمَا حُبًّا، وَلَكِنْ لِعُمْقِ البَحْرِ قَدْ ذَهَبَا
وَكَمْ صَغيرٍ لُهُ شَوقٌ لِمَدْرَسِةٍ يُفَارِقُ الأَهْلَ الأَصْحَابَ والكُتُبَا
كَمْ عَائلَاتٍ بأطفال قد اجْتَمَعتْ فبَاعَدَ المَاءُ عَنْهُمْ أمَّهُمْ وَأَبَا
وَكَمْ شَبَابٍ بِعُمْرِ الوَرَدِ قَدْ بَذَلُوا جَهْدًا، ولكْنْ نداءُ الحَقِّ قَدْ وَجَبَا
وَكَمْ فَتَاةٍ لَهَا فِي عَيْشِهَا حُلُمُ فَخَلَّفَتْ بَعْدَهَا الفُسْتَانَ والذَّهَبَا
وَكَمْ شُيُوخٍ بُيُوتُ اللهِ عَامِرَةٌ فِي كُلِّ وَقتٍ بِهِمْ من سادةٍ نُجُبَا
لَمْ تَدْفَعِ المَوْتَ عَنْهُمْ كُلُّ مَانِعَةٍ ولو حُصُونًا وَأَسْوَاراً وَلَوْ قُبَبَا
حَتَّى مقابرُ أصْحَابِ الحَبِيْبِ بِهَا مِنْ شِدَّةِ السَّيْلِ قالوا قُطِّعَتْ إرَبَا
كأنمَا العَذْبُ وَالمِلْحُ الأُجَاجُ بِهَا صارَا عَدوّينِ لا مَنْجًى وَلا هَرَبَا
*
لَكِنَّ رَحْمَةَ رَبِّي فَوْقَ مُدْرَكَنَا قد يَجْعَلُ الحُزْنَ فِي تَوْحِيْدِنَا سَبَبا
فأهْلَ مَأربَ سَيلُ السَّدِّ فَرَّقَهَم وَمَزَّقَ الشَّمْلَ مِنْهُمْ حَيْثُ لَا أرَبَا
وَسَيْل دَرْنَةَ رُغْمَ الحُزْنِ جَمَّعَنَا وَقَدْ أَزَالَ صَفَاءُ الجَوهَرِ السُّحَبَا
عُدْنَا إلَى الأصْل جِسْمًا وَاحَدًا فَشَكَا بِالجِسْمِ عُضْوٌ تَدَاعَى الجِسْمُ مكتئبا
أوِ هَكذا قَالَ خَيْرُ الخَلْقِ يَأمُرُنَا عِنْدِ الشَّدَائدِ عَنْ تَفْريْجِنَا الكُرَبَا
هَبَّتْ جُمُوعٌ لِنَجْدَتِهَا بِمَا مَلَكُت مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَلَى قَدَمٍ وَمَنْ رَكِبا
مِنْ حَدِّ تُونُسَ غَرْبًا وَالجَنُوبِ مَعَ أَهَلٍ مِنَ الشَّرْقِ شَدُّوا الرَّحْلَ والقَتَبَا
خَمْسُونَ ألفًا لَقَدَ ضَاقَ الفَضَاءُ بِهَا مِنْ مَرْكَبَاتٍ بِمَا يُحْتَاجُ أو طُلِبَا
مِنْ كُلِّ زَادٍ وَمَلْبُوسٍ وَأدْوِيةٍ وَكُلِّ مَا كَانَ فِي إنْجَادِهِمْ سَبَبَا
*
مَا ذَنْبُ شَعْبٍ بِريْءٍ أَطْعَمُوهُ أَسىً وَجَرَّعُوهُ كُؤُوْسَ المَوْتِ إذْ شَرِبَا
كُلُّ الحُكُومَاتِ قَدْ كَانَتْ مُقَصِّرَةً وَزَادَ نُوَّابُنَا عَمَّا بِنَا نُوَبَا
وَغَيْرُهُمْ مَنْ يَرَوْنَ المَالَ مَالَهُمُ لَهُمْ حَلَالٌ، وَللمُسْتَضعفين رِبَا
كُلٌّ يَرَى نَفْسَهُ أوْ مَنْ يَلُوذُ بِهِ لُهُ المَكَاسِبُ، لَكِنْ غَيْرُهُمْ صَعُبَا
فالشَّعبُ كَالسَّيْلِ يَبدو نَاعِمًا سَلِسًا لَكِنْ إذَا مَا طَمَا فالمَوتُ قَدْ قَرُبَا
فَكَمْ طُغَاةٍ عَلَوا فِي الأرْضِ قد بطروا وَجَرَّعُوا الشَّعْبَ كَأَسَ الذُّلِّ فَاحْتَسَبَا
فَفَجَّرَ الشَّعْبُ بُرْكَانًا أَحَاطَ بِهِمْ لَمْ يَحْمِهِمْ مِنْهُ جَيشٌ صَالَ وَاحْتَرَبَا
فَالنَّصْرُ للشَّعْبِ إنْ هَبَّتْ فَصَائلُهُ تُجَرِّعُ الكأسَ للطَّاغِيْنَ مُلْتَهِبَا
سَيَنْفضُ الشَّعْبُ ثَوْبَ الذُّلِّ مُتَّحِدًا وَيَرْكَبُ الصَّعْبَ حَتَّى يَبْلغُ الأَرَبَا
*
يَا حَاكِمِيْنَا وَيَا قُوَّادَ مَرْكَبِنَا ألَا تُفِيقُوْنَ حَتَّى تَنْظُرُوا العَجَبَا
هَلْ يَبْلغُ المَرْكَبُ المَوْجُوعُ شَاطِئَهُ بِمِقوَدَيْنِ وَرُبَّانَيْنِ مُنْتَكِبَا
وَيَا عَبِيْدَ الكراسِيِّ مَا يُزَحْزِكُمْ عَنْهَا سوى ثورةٍ للشعبِ إنْ غَضِبَا
فسَيْلُ دَرْنَةَ عَرَّاكُمْ لناظرنا وَإنْ لَبِسْتُمْ مِنَ الأَثْوَابِ ما قَشُبَا
ستغرُبونَ وإنْ طَالتْ وِلايتُكُمْ وَقَدْ طَفَوتُمْ عَلَى أحْدَاثنا خُشُبَا
سَترحَلُونَ وَأنتمْ جُلُّكُمْ زَبَدٌ سَتذْهَبُونَ جُفَاءً مِثلَ مَنْ ذَهَبَا
*
يَا دَرْنَةَ العِزِّ يَا حِضْنَ الصَّحَابِةِ يَا أَمَّ الرِّجَالِ وَيَا مَأوَى مَنْ اغْتَرَبَا
يَا دَرْنَةَ الصَّبْرِ وَالإيْمَانِ يَا أَمَلاً يُجَدِّدُ الرُّوْحِ فِيْنَا مَا الجَوَادُ كَبَا
يَا دَرْنَةَ الخَيْرِ وَالشَّلَّالِ عَائدَةٌ إلَى بَهَائكِ لَا تَخْشَيْنِ مَنْ كَذِبَا
يَا دَرْنَةَ الرَّوْحِ والرَّيْحَانِ تنشره والياسمين ويَا غُصْنًا لنَا رَطِبَا
سَتَنْهَضِيْنَ مَعَ الأيَّامِ نَازِعَةً ثَوْبَ الحِدَادِ، وَثَوْبَ الحُزْنِ، والتَّعبَا
حَتْمًا تَعُودِينَ رُغْمَ الدَّاءِ زَاخِرَةً بِكُلِّ شَيْءٍ جَميْلٍ فِيْكِ قَدْ حُجِبا
سَنَسْمَعُ الشِّعْرَ مِنْ أرْبابِهِ دَفَقاً يُجَدِّدُ الفَنَّ والإبْدَاعَ والأدَبا
وَنَسْمَعُ الكِشْكَ وَالشَّتَّاءَ ثانيةً وَالنَّايَ وَالعُوْدَ وَالألْحَانَ وَالطَّرَبَا

مانشستر في 25/09/2023م

مقالات ذات علاقة

ليلة القدر

مفتاح العماري

طاولة ملوّثة بالأكاذيب

فرج أبوشينة

قبيلة الوهم

سميرة البوزيدي

اترك تعليق