(بعيداً عن خرافة ” الدولة” في حقبة الاستقلال)
بنية المجتمع الليبي كانت تقليدية للغاية، وظهر ذلك بالذات في المدينة، فقد كانت هناك مجموعة من القيم التقليدية التي كانت تنظم حياة الناس وتسيس سلوكياتهم وتجمعاتهم وعقائدهم وعلاقاتهم الاجتماعية بشكل عام.
فقد كانت تلك القيم بمثابة المصدر التشريعي الرئيسي للسلوك الإنساني والتعايش الاجتماعي وبمعزل عن قانون ” الدولة”، فهي قيم ذات سلطة حقيقة تظهر فيها صورة ممارسات فعلية يخضع الناس لها ويعترفوا بها
. فقد دأبت تلك القيم على اشباع رغبات الناس الاساسية وتوفير الحاجات الضرورية التي يحتاجون اليها في المعاملات اليومية لتسهيل العلاقات الاجتماعية؛ في إذن لسيت شيئاً افتراضياً تدر المماحكة فيه. فعلاقات الناس وطرق التعامل فيما بينهم كانت تخضع لتلك القيم والتي كانت بمثابة عرف لم يكن مدونا أو مكتوباً وإنّما مكتسباً كنمط من انماط ثقافة المجتمع المقبول لدى الرأي العام الذي كان يؤكد على الالتزام به.
فقد ورث المجتمع تلك الأعراف وقد استقاها من اجيال وحقب تاريخية سابقة وسار عليها بما لها من تأثير كبير في اذهان الناس وتصرفاتهم، ومن يخرج عنها أو يخالفها كان يواجه ببعض الوسائل العملية المادية والمعنوية. فلم تكن حاجة إلى ” الدولة” الخرافية كي ينظم الناس شؤونهم فالتقاليد كان فوق الضياع والتقسيم، لقد كانت بحق لها قوة فوق قوة الدولة. لقد كانت حصناً حصين من لذائذ الهلكة والتدمير.
فقد كان هناك عقد اجتماعي غير مكتوب ينتظم الناس بموجبه في علاقات اجتماعية متشعبة من أنشطة واعمال حيث كان يشكل أساس السلوك الاجتماعي والفردي حسب قواعد معايير متفق عليها سلفاً بوعي أو بدون وعي وبدون معونة ” الدولة” الوهمية حينذاك التي تكاد أن تزري بفكرة الوعي بالتقاليد.
بمعن آخر اتسمت تلك البنية بوجود تنظيم اجتماعي مستقلاً عن الحكومات يقوم على العرف الذي كان بمثابة قانون ينظم علاقات الناس وهم خاضعين له طوعاً حتى وإنْ لم يكن ملزماً أو صادراً عن قانون صريح. فالناس كانوا يقومون باختيارات مختلفة ويفاضلون بين أهداف متعددة ويسعون لتحقيقها بوسائل مختلفة وذلك داخل مجتمع توافرت فيه بعض الأسس المادية والعرفية لتحقيق تلك الغايات.
لقد تمثل الابتعاد عن التقاليد في اتيان البيوت من غير ابوابها، كما فقد الناس في المجتمع أسباب القوة والمناعة. أليس لنا همة من أجل بناء ” الدولة ” بحق ونجعلها حقيقة ملموسة مكشوفة والكف عن تمجيد ” دولة” خرافية تحن العقول المدهوشة لها دون فحص والنظر إلى قوة التقاليد والنظر في تفصيلاتها التي هي تجعلنا نرى الفروق التي نتجالها بين قوة التقاليد وبين ” الدولة” الوهمية في حقبة الاستقلال وفي حقيقتها.