د. عبدالمطلب الوحيشي
قالت العرب في أمثالها: «مجدُ التاجر في كيسه، ومجد العالم في كراريسه»؛ ولاريب أن المجد متعين إن كانت الكراريس في كتاب حسن نافع مفيد، يغدو جليس المرؤ وأنيسه، وإلفه وسميره، ومؤنسه وخليله فيكون نعم الصاحب هو، وخير الخِلان وأفضل الصحاب وأوفى الرفقاء.
ولا غرو ولا عجب في أن يكون كتاب «ضمير وطن: سيرة رجال واجهوا الاستبداد وقاوموه»، أحد هذه الكتب التي خطتها يدا الكاتب الأنيق اللبق والمؤلف الصديق الماجد الأستاذ: شكري السنكي.
في «ضمير وطن» يفتح «شكري» باباً كان موصداً، فيدلف القارئ من خلاله إلى رحب واسع من وقائع وأحداث ليبية صرفة وسيرة ثلة من الوطنيين الأنقياء الذين يشار إليهم بالوطنية والنضال، أضاء «شكري» حقيقتها وكنهها بعد أن جلّى بحنكة ومقدرة بالغة كل الذي اعتراها من صدأ الجحود والنكران.
وللوهلة الأولى ستكتشف أن السردية التي جاهر بها الكاتب ليست مجرّد سرد زمني يميط اللثام عن وجه عشرة شخصيات لها إرث نضالي في مقارعة الاستبداد وأهله، بل تتعدى الكلمات لتضع روايات تاريخية لاريب أنها عقدت تاريخاً مترابطاً في عقد فريد سُبكت حلقاته من وجوه وأحداث لا تنفك عن بعضها البتة.
ومما لا شك فيه أن عملية التأريخ مهمة محفوفة بالمخاطر، بيد أن «الأستاذ شكري» لم ينسج على نفس منوال المؤرخين التقليديين التي انحصرت أعمالهم في التدوين «كما هوا الحال في الحوليات» بل أكَّد أن التأريخ والتوثيق مجال علمي محض، إذ مضى يكتب التاريخ «كما كان»، بحسب عبارة «ليوبولد فون رانكه» الشهيرة، وانشغل في تقديم الإجابة المثلى على سؤال «ماذا حدث في حقيقة الأمر؟».
ولا شك أن «الأستاذ شكري» نجح في تبيان «الحقيقة التاريخية» بتجرد لا يعتريه تكلف ولا زيف أو تحريف، وإن كان الذي يقرأ ما بين السطور يستشف شغف الكاتب بحقبة ليبية سياسية مهمة وميله فيها إلى رموزها وأصحابها، وهو أمرٌ لا يقدح في الكاتب ولا في موضوعية ونزاهة المحتوى.
جهدٌ جاهد، ومشقة تنبئ عن إتقان الصنعة وبحث غزير تكاد تستشعر مضناه وأنت تُقلِّبُ صفحاته. لغة سلسة تميل إلى المفردات الصحفية، ومفردات سهلة لا يشوبها تنطع وتعززها وثائق ومستندات وصور ولقاءات وشهادات تثبت صحة الأحداث وتُقوِّي وقائعها.
عمل قيم ومرجع مهم يضاف إلى المكتبة الليبية الشحيحة من الأعمال التي تختص بتحقيق السرد التاريخي وتوثيق وقائعه ويُثري صفحات التاريخ الذي لطالما دأب المستبدون على طمسه أو تزييفه ومحو أثاره.
في «ضمير وطن» امتدت يدا «الأستاذ شكري السنكي» ففتحت سجف التاريخ الليبي المعاصر وخدره، واتاحت للنور أن ينفذ من فرجة ظلت مقفلة لأمد غير يسير.
الأربعاء الموافق 14 يونيو 2023م