الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
بحضور لفيف من البُحّاث والمهتمين نظم مجمع اللغة العربية بمدينة طرابلس صباح يوم الأربعاء21 من الشهر الجاري ضمن البرنامج العلمي والثقافي للمجمع لعام 2023م محاضرة بعنوان(التحقيق قراءة نحو بناء -نموذج معرفي- لمقاربة النص التراثي) ألقاها الدكتور “فيصل الحفيان” المدير التنفيذي لدار المخطوطات بوقف السلطان أحمد في إسطنبول، وقدمها وأدارها الدكتور “عبد الحميد الهرّامة” رئيس المجمع، وأوضح الدكتور الحفيان في مستهل حديثه أن التحقيق قد اعتمد التحقيق قراءةً كون أن مصطلح التحقيق قائم وثابت ويعرفه الكثيرون أما مصطلح فهو إلى حد ما بعيد وليس متداولا، وتابع بالقول : إن النص عموما من غير نعته الذي جاء في عنوان المحاضرة هو ذو مفهومات وتصورات متعددة وتعريفات متعددة، وعلماء النص عندما يتكلمون عن النص يقولون أنه يُصنّف بطرق مختلفة وله مرتكزات في هذا الأمر فالمرتكز الأول هو المرتكز الموضوعي بمعنى هذا نص علمي وذاك نص تاريخي أدبي وما إلى ذلك.
حاجة النص التراثي إلى وسيط
وأضاف الدكتور الحفيان أن هنالك مرتكز آخر هو التمظهر اللغوي أو الصيغة اللغوية التي يظهر بها النص كالنص السردي والاخباري والتعبير والتحليلي وأنواع كثيرة من النصوص، وبيّن قائلا : لكن تقييد النص بكلمة التراثي تجعله يخرج من كل هذه التعريفات والتصنيفات جميعها ليكون رأسا وحده، والنص التراثي نص مفتوح على المعرفة، لافتا إلى أن النص التراثي هو نص مركّب يجمع بين أمرين بين الموضوع وبين الزمان وبالتالي هذا الاختلاف في مفهوم النص هو الذي ينتج عنه طرائق متباينة في التعامل معه، موضحا أن كل النصوص لا تحتاج إلى وسطاء فنحن نقرأ النص اليوم أي نص إذا لم يكن تراثيا وحين نتوجه لقراءة النص التراثي ستكون بحاجة إلى وسيط هذا الوسيط هو ما نُسميه المحقق فلا وصول للنص التراثي إلا من خلال الوسيط المحقق.
الهوية التاريخية للنص
ويرى الدكتور الحفيان بأن النص التراثي كائن تاريخي بامتياز انطلاقا من أن هذا الكائن يمر بأطوار ومراحل التطور الطبيعي مثله مثل الكائن الحيّ، وهذا الكائن يملك هويته التاريخية المُركّبة، وحاجته إلى الوسيط أو المحقق يقتضي العمل فيه والعمل فيه أيضا مُركّب، كما أوضح الدكتور الحفيان في ذات الصدد أن التحقيق اليوم يحتاج إلى أن يتأسس معرفيا، وأن نبني له صرح نموذجي معرفي مستقل مُعزيا أن إشكاليات نصوص التراث لا تنتهي فليست المسألة من باب الترف وحسب تعبير الدكتور الحفيان الركون إلى دعة الصنعة يُميت الصنعة فيما أكد أن عملية التأسيس تعني سبر هوية النص التراثي وتحديد هويته والقراءات أو المراحل التي يمر بها منذ إنتاجه وحتى استقلاله بقراءة خاصة تتطلبها طبيعته ووظيفته موضحا بأن القراءة مصطلح أصيل في تراثنا فنحن لا نستدعي القراءة بالمفهوم الحداثي ولا نتمسح به، ولا يتأتى لنا ذلك إذ هما متدابرتان فإذا كانت القراءة الحداثية تضع نصب عينيها إنشاد نص جديد فإن عين قراءة التحقيق على استعادة التاريخي، وفي سياق متصل يشير الدكتور الحفيان إلى أن الكتب المعيارية للتحقيق صرفت همها وهِمتها إلى القواعد والإجراءات والضوابط وغفلت عن أن هذه المقاربة ليست صنعة فحسب بل أن قيامها بوظيفتها في استحياء النصوص يمر عبر التفكير في هويتها والطبقات المتراكمة لها بوصفها قراءة تنطلق من تسمية الدكتور الحفيان لها بقراءة الاستكشاف مرورا بقراءة النقد ثم قراءة التعليق وصولا لقراءة الإضاءة والتكشيف والدرس.