قصة

اعتداء على إشارة مرور

الشارع مكتظ بالبشر حيث كل الطلاب تتجه نحو مدارسها, بعض تقوده رجلاه والبعض الأخر يركب السيارة.

صباح رقيق ذو نسائـــم شتوية بـــاردة, جلست الفتاة بجانب والدها في هـــدوء يرتسم فيه الوداعة واللطافة ولمحـــة من البراءة, عبرت السيــارة الشوارع تتجه نحــو المدرسة, سيارة تحمل أباً و ابنته، تحمل أباً وحلمه الرائع يرتقبه بشوقٍ يكبر يوماً بعد يوم وهو يهبه من نفسه كل الحب.

أصــوات السيــارات تعلــو من حين لآخــر في لحظــةٍ تتشابك فيها عند الطــرق و أحياناً تتبـادل الألسنة الكــلام البذيء الذي يخدش حياء هذا الصباح الرقيق فكظم غيظه وانكفأت روحه داخل أعماقه تخبئ هذا الغيظ, تصارع مع هذا الازدحام حتى أوصــل ابنته وحلمــه الرائــع إلى المدرســـة, دخـلت الفتــــاة مدرستهـــا حيث استقبلتهـا صديقاتهــا, صديقات السوء وهنا تتغير الملامح من ملامح طالبات إلى ملامح أخرى ترسمها مواد التجميل التي تضج بها وجوههن وترسمها أيضا ملابسهن الغير محتشمة, وقعت الفتاة بين أيديهن فتغيرت ملامح وجهها حتى أنك حين تراها لا تحسب أنها بنت ناس, وبنت ناس ليس كما يظن البعــض ابـنة عائلة مترفــة بل تعنى ابنة عائلة محترمة, احتضنتها إحداهن ووضعت رأسها على كتفها وقالت لها:

– شفتيه اليوم.

– —————

نطقت أخرى:

– قاعد برا قدام الباب ايراجى فيك.

كانــت الفتــاة صامتــــة وهى تستمع إليهن يرسمن في خيالهـا صورة فارس الأحلام الذي ينتظرها على حصانه ا لأبيض الذي كان ذا شعر طويل وأظافــر طويلة أيضاً يضع على رقبتــه سلسلة ذهبيـــة وتلتف أخــرى على معصمه ولا يخلــو إصبعه من خاتـم ذهبي يمضغ العلكة ويتكأ على سيارتـه الفارهة, وبعد سيلٍ عارم من وسوستهن خرجـــت الضحيـــة وركبت تلك السيارة الفارهة.

وكعادة السماء في أيـــام الشتاء يتغيـــر مزاجها من لحظةٍ إلى أخرى, توعكت تلبدت غيومها ثم انهمرت، بينما السيارة ظلت تعبر الشـــــوارع يحدوها المطر من كل صوب, وكان فارس الأحلام يقودها بسرعةٍ هائلة تغمره نشوة الانتصار وهو يضيف رقماً أخر إلى ضحاياه.

وميــض البرق أطل على الأرض فكساها لمسةً من الرهبة, تلاه صوت الرعد الذي أمتزج بالموسيقى الصاخبة, التي كانت تخرق الأسماع,أستمر المطــر في هطولــه و استمــرت السيـــارة في سرعتها تجتاز كل ما يقابلها وتمضى في فوضى عارمة.

كانت إشارة المرور ترتدى ردائها ا لأحمر, تقف في وقارٍٍ يشي بفاصلة الوقــوف حيــث يستـدرك الإنسان نفسه و يستدرك طريقه, ويقف بسماحة ٍ ليعبر غيره من الجهات الأخر, نظر فارسنا إلى الإشــارة الحمــراء بتعنتٍ وكبرياءٍ سمج, ألتفت يمينــه وشمالــه ثــم بحــث عـن شرطي المرور ذلك الرجل الصامد في وجه الحــر وفى وجه البــرد يحمـــل على عاتقـــه بوتقة القانون, كان الشرطي يحتمي بأحد جوانب الرصيف يقي نفسه البلل وكــان المطر لا يزال ينهمر و وميض البرق يخطف البصر يلحقه صـــوت الرعد غاضباً مزمجرا ً, أدرك الفارس أن الشرطي لا ينتبه إليه فأخترق الإشارة الحمراء, شئ ما في الإشارة قد انكسر وتناثر الحلم كحبيبات المطر.

2002-3-28

مقالات ذات علاقة

الكهف

المشرف العام

غالبة .. حكاية عشق

المشرف العام

أربعطاش ونص[1]

رحاب شنيب

اترك تعليق