1
… معلّم التاريخ دائماً غاضب.. حتى خُيّل إلينا أنه سقط من بطن أمّه غاضباً.. غاضب لأن السبورة ليست ممسوحة كما يجب.. أو لأن القِبْلي لا يكفّ عن الهبوب.. أو لأن السماء تمطر.. أو بسبب أن ليبيا ليس فيها نهر.. أو لأن اليوم هو الأربعاء.. أو لأن هتلر لم يستطع احتلال بريطانيا.. ويحلم دائماً بأن يعيد صياغة التاريخ.
نتلعثم أثناء تحيته.. ترتجف الكلمات على شفاهنا الطفولية.. ونحن متنفَّس غضبه:
ــ امسح السبورة يا فرخ الحرام.
ــ سمِّعْ فتح القسطنطينية يا سرافة.
تلعثمت في نطق (القسطنطينية).. صفعني حتى سقطت على جاري في الدرج.
ــ كويّس يا حيوان.. نصّ العام وما تعرف حتى تنطق كلمة (القسطنطينية)!
فجأة تظهر زينب في الشارع المحاذي للمدرسة.. يتطاول معلّمنا بعنقه.. تُشرق أساريره.. يمرّر لسانه على شفتيه.. يناديني: (يا احميدة).. بدل (يا فرخ الحرام)!
2
… في اليوم التالي لم تظهر زينب.. رغم اقتراب معلّمنا من النافذة عدة مرات.. (كنا لا نقلّ تطلعاً عن معلمنا لإطلالة زينب).. سدّد إصبعه نحوي:
ــ امسح السبورة يا فرخ الحرام.
تلقينا الصفع جميعاً هذه المرة.. تسرّب سائل ساخن داخل سراويلنا.. لأننا لم نعرف من فتحَ القسطنطينية! وكرهنا القسطنطينية.. هذه الكلمة اللعينة التي نعجز حتى عن نطقها.. وأصبح يوم سعدنا أو بؤسنا رهناً بظهور زينب أو عدمه.
3
… بعد ذلك لم تغب زينب أبداً عن الظهور في الوقت المناسب.. وتغيّرت علاقتنا بمعلّمنا.. لم يعد غاضباً من القِبْلي رغم العجاج المتواصل.. وغفر لهتلر عجزه عن احتلال بريطانيا.. ولم أعد (فرخ الحرام).. لكن الشيء الذي لا يعرفه معلّمنا هو أننا تسلّلنا ذات مساء إلى بيت زينب.. شكونا لها محنتنا.. وأعطيناها جدول حصص التاريخ!
***
(2013)