ذاكرة المجني عليه
“إذا أردت أن تعرف وضوح فكرة ما، أحكيها للطفل”. برتر اند راسل
… نحن الآن في مطلع عام 1996 حيث ذهبت بنا ذاكرة (المسكين علي) جراء حالة الإغماء التي ألمت به إلى ثمانية عشر عاما للوراء، ذهبت بنا تلك الذاكرة الي ذلك اليوم الجنائزي وكيف تتهافت أفرادا من الجموع، لحمل تابوتً ملفوفً بقماشٍ أخضر، يبدو أنه من خامة الحرير الزبرجد!! كان ذاك التابوت محمولا فوق الأكتاف والحناجر تصدح بقوة، هاتفه:
لا الله إلا الله // محمد رسول الله
لا الله ألا الله // سي ادم حبيب الله
لا الله إلا الله// سي ادم حبيب الله
لا الله إلا الله // محمد رسول الله
…انطلقت الجنازة بعد صلاة عصر ذلك اليوم الحزين، وانطلقت من أمام جامع سيدي (أدم) وزاويته الصوفية الواقعة في غوط الأوادم، أحد ضواحي رباية الذايح، مدينة بنغازي، مشيا على الأقدام، وستكون وجهتها إلى مقبرة (شجرة الزيتونة) العتيقة، حيث ترقد جثامين بعض من أولياء الله الصالحين، تلك الشجرة التي كانت أول شتلة لأشجار مثمرة غرسها (سيدي أدم) في بداية زراعته لأرضه حينها، وأوصي أن تكون مقبرة للصالحين.
… (محمد، ابراهيم، أيوب، داود، يوسف، يحي، وصالح)، لالا ليسوا كوكبة او وفداً من الأنبياء والرسل أرسلهم الله سبحانه وتعالي، ليشاركوا في مراسم جنازة (سيدي أدم) هذا المصاب الجلل، أبدا ليست كذلك، هي كانت أسماء أبناء المرحوم سيدي (أدم)، جاءوا تباعا منصلب زوجة واحدة طاهرة هي الأم (حواء).
ولأن أسمه كان (أدم) كـ أسم أبو البشرية جمعاء، وزوجته كان أسمها (حواء) كـ أسم أم البشرية جمعاء كذلك، ولأنه من حفظة القرآن الكريم ولأنه شخصا تقيا ورعا فألهمه الله العلي القدير أن يُسمي أبنائه بأسماء الرسل والأنبياء، تيمنن بهم، وليقتدي بأولياء الله الصالحين وكان له ما أراد.
لا لا ليس هذا فقط، فقد كان حكيما فيلسوفا بطبعه وفكره، فأنزوي بعيدا عن سكان المدينة!!، مدينة (بنغازي)، والتي بدأت تستقبل مجاميع من البشر باختلاف طباعهم.
.. وليؤسس منطقة سكنية جديدة في بداية حياته عام 1945، فكان غوط الأوادم والذي خطط لأن يكون عامرا بالفلاحة والزراعة أسس كذلك خلوة وزاوية ينشر من خلالها تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، فيما بعد، ثم اقتربت من الطريقة الصوفية بعد انتهاء عهد المملكة وقدوم السبتمبريون الجدد، وحلم ببناء مسجدا لتحفيظ القرآن الكريم ونشر شعائر الفضيلة الإسلامية وتعاليم أهل السلف الصالح المتجردة كما هي من خلاله.
…الأبناء ساروا يمشون الهوينا بخطوات متثاقلة وبرؤوس يعتريها الحزن والآسي وعديد الذكريات وأصواتهم تصدح للسماء ة بدعاء وطلب المغفرة لهم ولوالدهم الذي انتقل الي جوار ربه هذا اليوم.
…. الأحفاد كانوا يهرولون بجانب اباؤهم (علي، إسماعيل، إسحاق يعقوب، خالد، والطفل عيسى).
… وتستمر الجنازة لتخترق الطرقات وينظم آخرون تفطنوا أن المتوفي هو الرجل الصالح سي (أدم)، والذي أمسي صيته طيبا ومشرفا، حتى وصفوه بـ الولي الصالح، فهو مؤسس غوط الأوادم ومسجد سيدي أدم وزاوية سيدي (أدم) لتعاليم القرآن الكريم فيما بعد.
… تتداخل الأصوات وترتفع وتتعاظم من جديد:
لا الله الا الله // محمد رسول الله
لا الله الا الله // سي ادم حبيب الله
وانتهت مسيرة الجنازة الي حيث سيرقد جثمان الحاج (أدم) مع الصالحين تحت شجرة الزيتون المباركة، وفي الركن الشمالي من سواني سيدي (أدم)، سيرقد مطمئنً برقدته الأخيرة وبوجهه المستنير الناصع البياض، وكتاب حياته المليء بالمواقف النبيلة.
… وحين اكتملت مراسم الجنازة المهيبة طلب (إبراهيم) أكبر أبناء المرحوم سي (أدم) من إخوته وأبنائهم لزوم تأجيل الحديث، موجها كلامه لشقيقه (محمد) والذي ما انفك يهمس للحفيد الأصغر (علي) بحقائق عن جده(أدم) وما لاقاه من عائلة (إدريس بوشرفيدة) من تعدي بأفعال شيطانية وجرائم اعتقدوها الناس جرائم كاملة، فانطوت في طي الكتمان.
وسيتضح لاحقا أن هذا الحفيد قد حُمل فوق ما لا طاقة له بحمله!
…. الشقيق (محمد ) يتدخل ليوصي بعدم التحدث عن اي شيء من شأنه الإخلال بمبادئ وشروط وتقاليد مراسم العزاء والتي تبدأ حسب ما أوصي به أخوته ب (قراءة الفاتحة علي روح والدهم، فالتغسيل بالماء الطاهر والمسك والعنبر وقطع الثلج، ثم التكفين بالقماش الأبيض، ثم الصلاة علي روح الفقيد الطاهرة، بإذن الله،سواء ظهرا أو عصرا ثم الجنازة أو ما يعرف قديما بالدفينة ثم السهرية، وهي ستكون كما هو في العرف والتقاليد الليبية المتوارثة موزعة علي ثلاثة ليال وفيها يتجمع أهل الفقيد داخل سرادق او صالات أو في الهواء الطلق، ليتلقوا التعازي من المعزيين في أخر السهرية، حيث يجلسون بمجرد الوصول الي السهرية، ليستمعوا الي ما يتفضل به احد الوعاظ من خطب قصيرة،أو لينصتوا الي ما يتيسر من آيات من الذكر الحكيم، وبين خطبة قصيرة أو تلاوة لبعض من سور القرآن الكريم،سيبدأ من يرغب المغادرة بالتوجه إلي ذاك الصف أو الطابور الثابت والذي سيجلس به أقرب أقارب المتوفي خصوصا في الليلة الثالثة من السهرية ليتلقوا التعازي.
المُعزي:
عظم الله أجركم
يرد احد المستقبلين للتعزية:
أجرنا وأجرك علي الله
المعزي الأخر:
البركة فيكم أو خلفلكم البركة المرحوم
يرد احد المستقبلين للتعزية عن هذه العبارة:
البركة في سيدنا محمد او يرد برد آخر:
سعيكم مشكور
….انتهت أيام العزاء ولياليه، وأثناء تلك الفترة، لم يغفل الحفيد (علي )عن اي معلومة، تحدث بها (أعمامه ) أمامه عن حياة جده سيدي (أدم)، فعلم الحفيد (علي ) أن هناك أُناس سكنوا في غوط الأوادم، كانوا بل صاروا يرتقون لصفة المجرمين، وأفعالهم طوال حياتهم كانت أفعالا شيطانية أنهم عائلة الادارسة أبناء سي (إدريس) اتفق اغلب سكان رباية الذايح بنغازي أنهم فاسدون،ولا يأتي منهم إلا الفسق والمجون ووجع الرأس والجرائم الكاملة، مما جعل من دماغ الحفيد (علي) اشبه بحقيبة سوداء تكاد تنفجر من هول الفضائح والحقائق الغامضة المسكوت عنها، فتولدت جراء ذلك كمية كبيرة من الكره ضد أبناء وأحفاد هذه العائلة،وكل من جاء من نسلها الفاسد،فتولد عنده طموحً، فأعتزم أن يدرس مناهج القانون، ليصبح قاضيً شريفً يطبق العدالة بأمانة ونزاهة ويعاقب جميع من تورط يجرم من افراد هذه العائلة.
….وبينما (إبراهيم) يسرد تفاصيل تاريخ غوط الاوادم، ذهب حبل تفكير و مخيلة أو ذاكرة الأبناء والأحفاد الي حقبة نهاية الخمسينات، حيث بدأت الحكاية في وسعاية وهي ((الأرض الفضاء )) والتي كانت واقعة بالقرب من موقف الجنسية(1)، وسط مدينة بنغازي،
حيث كانت هناك سيارة خضراء باهتة اللون نوع ( بولمن)(2)
،و التي كانت تقف كعادتها منتظرة، بينما كان سائقها (جبريل) مترجلا منها،يترقب الواصلين للمحطة، كان يتلفت هنا وهناك في اتجاه الكروسات(3) و الكاروات (4) القادمة والكاليصات (5)
،كان سي ( جبريل) واقفا محاولا استمالة بعضهم للركوب معه ونقلهم لمبتغاهم،وهاهو ينجح أخيرا،وسط صياح ذو الأنف الطويل جدا، ومعه أخر يطبل علي الدربوكة(6).
…كان ذي الأنف الطويل جدا وذي الأذنين الكبيرتين يطبلان ويناديان بعلو الصوت لجذب الركاب:
كروات
كارو
كرونا
كروسات
كروسة
كروستنا
كاليصات
كاليص
كاليصنا
غوط ابوهديمة
غوط البركة
المنستير
الوادي
أرض النخلة الصابري
زرايب الخدم
البر
الصانيورات
كروات
كارو
كرونا
كروسات
كروسة
كروستنا
كاليصات
كاليص
كاليصنا
غوط ابوهديمة
غوط البركة
المنستير
الوادي
أرض النخلة الصابري
زرايب الخدم
البر
الصانيورات.
…وانفرجت أسارير السائق (جبريل )، فقد لمح عائلة تتجه إلي سيارته،سارع الكبار منهم لحمل طفليهما، كانت الأسرة تتكون من أب وأم و يحاولا إجلاس طفليهما الكسيحين في الحافلة الصغيرة، يبدو أنهما لا يقويان علي المشي، واحدهما لا يقوي لا علي المشي ولا علي النظر، ثم قاموا بترتيب صناديقهم وصررهم(7) وشنطهم (8)، ووضعوها في المقعد الخلفي، لكن المرأة أصرت أن تبقي مذياعا جديدا، بيدها و أن تجلس به وتضعه في حجرها !!.
…جلست في المقعد الخلفي مع زوجها، وماهي إلا لحظات حتي اقتربت سيدة في مقتبل العمر ومعها طفلا لا يتجاوز عمره الخامسة، كان لا ينفك عن الصراخ، فطلبت الأذن من السائق سي ( جبريل ) لإيصالهما الي وجهتهم خلف مرقد الولي الصالح سيدي خريبيش.
فسمح لها بالصعود بطفلها قائلا باللهجة الليبية:
ليش لا تقدري تركبي.
حيث سمح لها بالصعود قائلا بما معناه:
بمقدورك أن تدخلي المركبة، لما لا !
ثم بدأ يتحرك مغرداً بصيحته المعهودة والمكررة ( كرونا خلاص كرونا )،والتي كان يرددها، حين ينهي تجميع ركابه لنقلهم بسيارته التي يشق بها العنان الي مبتغي ركابها.
قال (جبريل) للمرأة أم الطفل:
ممكن نطلب منك طلب ؟
قالت المرأة بعد أن لمعت عيناها ببريقا غامضا:
تفضل يا خويا اللي نقدر عليه، موش حنقصر، معاك.
السائق جبريل:
العيل داير هرجة وزيطة وزنبليطة الله يسترك حاولي تسكتيه
ترد أم الطفل:
يسترني الله معاك
وأضافت:
هاظا من الولادة وهو ايعيط ويصرخ، ماعرفتش شنو اندير معاه ؟
السائق جبريل:
لا حول ولا قوة الا بالله
وأضافت:
كنت بيه في زيارة عند أخواله في أرض الزيتون، قوقزني، و ما خلانيش نأخذ راحتي.
قالت بما معناه:
ضايقني ابني اثناء زيارتي به لأخواله، ولم يدعني أتمتع بالراحة.
السائق جبريل:
أنت من ارض الزيتون ؟ مسلاتة ؟
أم الطفل:
ياريت ياسويدي.
قالت بما معناه:
ليته كان كذلك يا سيدي
وأضافت:
لا يا خويا أكرمك الله ما «ينكر أصله ألا الكلب « مثل شعبي قديم.
وأردفت باللهجة الليبية القديمة جدا مقهقهة:
تبي الحق والله ولد عمه؟ هاهاها أنا موش عارفة شنهو عرقي بالبزبط، بس أنا مولودة مع الغجر علي احدود الشام، ولا نعرف لا صنعة لا منعه، ولا خدمة لا قدمة !!امفيت المغني والرقيص والهصيك طول الليل، وقاعدة انعلم فيه لوليدي(موسي)، وراني اندير في مخللات الخضرة،بعد ما انكون متريحة ومافيه مايشغلني، وجيت لبلادكم، هاهاها، لالا عوني جيت لبلادنا ليبيا، بعد ما فضت الحرب العالمية الثانية.. هاهاها.
حيث قالت بما معناه مهقهة:
أتريد الحق أو تريد غير الحق ؟ هاهاها انا لا أعرف ماهو العرق الذي أنتمي إليه تحديدا، لكني، أعرف إني مولودة مع الغجر في المناطق الحدودية في بلاد الشام أصلا، ولا اتقن حرفة سوي الغناء، والرقص وها أنا أقوم بتعليم أبني (موسي ) هواياتي وفنوني من حين لأخر، لكن أنا في أوقات فراغي أقوم بتصنيع المخلالات من الخضروات بأنواعها، ولقد أتيت لبلادكم بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، ثم هاجرنا مع أهلنا عندكم هنا إلي ليبيا،بلادكم أقصد بلادنا هاهاها، وعندما ضحكت عمت موجة من الضحك بين الركاب كذلك.
وأضافت:
وتريحنا في مدينة بها كثير من شجر الزيتون، هاهاها اسمها امخلالاته، سكنا فيها وسندنا(9)،عليها اهو كيفنا كيف هالناس اللي سندت!!.
حيث أضافت بما معناه:
ولقد أستقر بنا المقام في أرض غنية بأشجار الزيتون، هاهاها أسمها امخلالاته، وأسقترينا بها.
وانتسبنا الي نسبها وقبائلها عن طريق التسنيد علي قبيلة امخلالاته، مثلما فعل كل الناس التي سندت !!
وتستمر الراكبة في سرديتها للسائق ( جبريل) فتقول مقهقه:
…. العبيد الخدم كانوا ايسندوا علي أسيادهم،وأبناء الشركس والأكراد سندوا ع بيوت ليبية، وال رقريق سندوا علي اصهارهم،حتي عبيد يم يم، موش بعيدة سندوا علي قبائل الشرق، ياعرب بنغازي هاهاها وأنتوا امغير اتلمدوا في اللمد من كل اجلوه هاهاها.
…عشنا ولمينا شلاتيتنا فيها، ونبوا انسندوا علي عرب قبيلة امخلالاتة،انظر عاد حا يرحبوا بينا او يرخونا عاد، باش المنجوه اوليدي هظا يقعد امخلالاتي اد الدنيا اهو كيفنا كيف هالناس اللي سندت علي قبائل الشرق ها ها ها.
وتضيف:
موش نحن في عهد الملك (ادريس ) اهو خلاهم ايسندوا، وينسبوا أصلهم علي قبائل امشرق.
اهو الراديو عندك افتحه واسمع رئيس الوزراء كيف يحكي علي لزوم منح الخدم والعبيد الميدوبين،أصل ومفصل،وأهو كل خدم الحواشين سمعوا كلامه الله ايربحه.
حيث أستمرت الراكبة في سردها للسائق (جبريل ) مقههة بما معناه:
… خدم المنازل السود قاموا بالتسنيد علي أسيادهم بالتراضي،وأبناء الشركس والأكراد،قاموا بالتسنيد علي قبائل وبيوت ليبية،واليونانيين ال رقريق،قاموا بالتسنيد علي أصهارهم،حتى عبيد اليم اليم، أعتقد أنهم سيصبحون من قبائل الشرق الليبي ياعرب بنغازي،هاهاها أصبحتم لاهم لكم إلا لملمة هؤلاء!! هاهاها.
… وها نحن نرغب في التسنيد علي عرب قبيلة امخلالاته، فهل يوافقون علينا ويرحبون بنا أم يهملونا، حتي يصبح هذا الصرصور ابني (موسي ) امخلالاتي يملأ العين، وهكذا سنصبح مثلنا مثل بقية هؤلاء الناس التي انتسبت لعائلات بنغازي بطريقة التسنيد.
وأضافت بما معناه:
ألسنا في عهد ( الملك إدريس )، ألم يسمح لنا بالتسنيد ونسب أصلنا الي قبائل الشرق.
ولو أنت غير مصدقا لكلامي، هاهو جهاز الراديو قم بفتحه وأستمع الي رئيس الوزراء، وكيف يتحدث عن وجوب منح الخدم والعبيد الأصل والفصل، وهاهم سمعوا الكلام.. الله يجعل في كل طريقا يسلكه ربحا.
هنا تدخل (السائق جبريل ) متمتما بصوت خفيض:
الله لا يربح رئيس الوزراء دنيا وأخره، كملها و دهواري في مصر و(الملك ادريس ) كان أمكملها في صغره تجوال في الجزائر وجو في هال وقت ايفصلوا علي الليبيين ايش يلبسوا !!.
وأضاف:
هيييييه ياما لامة يا بنغازي، من ذوايح هاهاها حتي الملك ورئيس وزرائه من اكبر المتجولين هاهاهاها.
هنا تدخل (السائق (جبريل ) متمتما بصوت خفيض بما معناه:
الله لايجعل لرئيس الوزراء في طريقه ربحا لا في الدنيا ولا الأخرة، فقد استنفد رئيس الوزراء حياته بمصر، وكذلك الملك (إدريس ) قضي حياته صغيرا متجولا في الجزائر، وأتوا في هذا الوقت، ليقررا للييبيين شؤونهم !!؟.
ويضيف جبريل:
لا مستحيل عرب قبيلة امخلاتة ايديروها ويسندوا علي قبيلتهم هالنزغة لربا هاها ها
ويضيف جبريل بما معناه:
هيييييه مسكينة يامدينة بنغازي وأنتي تستوعبين ما هو فوق طاقتك !!.
… لالا ابدا لا أعتقد بل مستحيل أن عرب قبيلة أمخلالاته، يفعلوها، ويسمحون بنسب سلالة الخبث والحرام هذه هاهاها.
وأكملت المرأة كلامها:
ويا سويدي نبي أنسند علي عرب امخلاتة صحلي توا، راهو كنك انت يا راجل ؟
…. انا حنقعد باذن الله توا امخلالاتيه… راجلي امخلالاتي… وولدي هظا (موسي امخلالاتي) بالتسنيد كيفنا كيف الناس معش اتقولي غجرية انا ليبية ابا عن جد.
عيت المخلا لاتي توا، بعدين انعدلوا الاسم الي مجلاتي أو محلاتي أو مسلاتي كانهوا استمر العرس هاهاها ؟
السائق جبريل متسائلا:
عرس….عرس من ؟
أم الطفل موسي مستهزئة:
عرسكم يا عرب بنغازي ها ها ها
الحصيلو((في نهاية الامر)) سكنا فترة لاباس بيها غادي، بعدين انتقلنا لمدينتكم رباية الذائح (بنغازي).
وأضافت:
بالضبط بالضبط خويا انا انزور في المرابط (10) (سيدي خريبيش) خلف المنارة، من مدة حوالي خمس سنوات فاتت ودرت حتي صحبة بمغنيات ايهوديات في وسط البلاد نتسلي معاهن، بعد ما ايكون عندي لا شغل لا مشغلة.
السائق جبريل في قرارة نفسه بحرقة:
ايييه ياما لامه يا بنغازي من ذوايح !!.
ثم أردف بصوت خفيض:
أكملي أكملي، ولاباس العيل ديمة ايعيط ؟، وعنده إسهال، رائحته كريهة امعفلقه، السيارة من أول ما ركبتي فيها وحشرات الذبان الخضر امعبية السيارة؟.
ثم خاطب بقية الركاب:
يا ريت تفتحوا رواشن اللتبوس.
حيث قال بما معناه:
ياليتكم تقومون بفتح نوافذ الحافلة.
ردت المرأة:
الله غالب سامحني، طفلي ( موسي) مصاب بإسهال، ما يقعد شيء في بطنه، و اللي يأكلها ايطلعها طول.
وأضافت:
أرجوك تحملنا ووصلنا تربح فينا اجر.
…. في هذا الأثناء قام الطفل بالدعس بأسنانه علي مسند الكرسي الأمامي، أما يديه فدعس بهن علي جهاز الراديو، في غفلة من انتباه بقية الركاب.
حاولت أمه أن تواري فعلة طفلها !.
فقالت ضاحكة:
تعرف مايبطلش، إلا لما يسمع في الراديو النشرة، أو قرمه (11) ها هاها !!.
وأضافت متسائلة:
عندك نشرة أخبار؟.
…. تدخلت المرأة الأخرى بالإجابة بعد أن تفطنت لما حدث للراديو الذي في حجرها،فأنقذته من العبث الذي سيجري له من حركة هذا الطفل المشكلة فقالت:
كان علي الراديو بس..هذا راديو، بس خلي العيل ايبطل الكعكصة والفركسة ابتاعه عاد !!!
حيث قالت نجوي بما معناه:
لو أردتي الراديو فقط، فخذيه، لكن اجعلي طفلك يتوقف عن العبث به!!…وأدارت البطمة (12)،وبمجرد سماع الطفل للنشرة، جحظ بعينيه واقترب بأذنيه الكبيرتين من اسبيكارات الراديو، فأرخي الراديو، ثم ترس(13)،بيديه مع أسنانه في كرسي السائق من الخلف وبدأ يحرك رجليه بطريقة غريبة محاولاً القفز الي مقعد القيادة، في منظر مرتبك، فتساقط الغائط، ((فضلاته ومخرجات بطنه ))، علي جميع كراسي السيارة، مما اجبر السائق سرعة التعريج إلي شارع الشيشمة في منطقة السكابلي حتي يقوم بتنظيف سيارته، ويقوم الركاب بتنظيف ثيابهم من جراء ما حدث من فوضي سببها هذا الطفل المشكلة.
انطلقت دواليب المركبة من جديد لتلتهم إسفلت الطريق، حتي الولوج إلي منطقة سي خريبيش.
في هذا الأثناء:
هتف الطفل ومشيرا بأصبعه من نافذة السيارة حين ترأى له مجموعة من الجالسين يحتسون الشاي والقهوة صارخا بأمه:
نبي تهوة نبي تهوة…نبي تاي نبي تاي…نبي تخان نبي تخان.
تسأل جبريل:
كنه اينتش في محرمتك، شن يبي طفلك الترار هاهاها عوني شن يبي طفلك المعجزة ؟هاهاها.
قال بما معناه:
ماذا جري لطفلك فأني أراه يكاد أن يمزق غطاء رأسك، ماذا يريد أبنك ابو عفن هاهاها أقصد ماذا يريد ابنك المعجزة ؟ هاهاها
ردت الأم:
يانا عليا منا (موسي ) خاطره في قهوة وشاهي ودخان.
حيث قالت بما معناه:
هذا الطفل (موسي ) سوف يجعلني أُجن، فهو يرغب بشدة في شرب القهوة أو الشاهي أو حتي السجائر!!
وأضافت:
كسبس مازال بدري يانا عليا منا وخلاص.
وأضافت بما معناه:
يالا الهول، فمازال طفلي صغيراً على تناول هذه المهديات.
السائق جبريل:
موش غير كسبس ها ها ها
السائق جبريل يرد بما معناه:
حقيقة يحق لك أن تستغربي هاهاها
وأضاف عبارة جديدة:
انا اللي يانا عليك مني هاهاها
وأضاف:
…. مازال تره في سرواله، وخناينه يساكبن من خشمه!!، ويبي يشرب شاهي وقهوة ها ها ها لا ويبي دخان اخري… عجب يادنيا !!،نسمعوا ونسلموا صحيح هاهاها
مازال بدري علي القهوة و اقيادة الاحوال هاهاها.
وأضاف بما معناه:
لايزال الغائط ملوثا لبنطلونه، والمخاط يتقاطر من انفه !!، وهاهو يرغب في تناول الشاي والقهوة هاهاها لا، ويرغب في شرب سيجارة هاهاها !! عجبا لهذه الدنيا، عشنا وشفنا !!هاهاها.
واضاف السائق (جبريل) مخاطبا ومودعا(أم موسي ) بطريقة ساخرة، بعد أن وصلت الي حيث تريد:
ردي بالك من طفلك واضح انه عنده مستقبل، ممكن حيكون مديرا في الاذاعة وصكافة رباية الذايح ها ها ها.
حيث سخر منها قائلا بما معناها:
أنتبهي إليه، اعتقد هاهاها، أنه سيكون له مستقبلا رائعا، أعتقد أنه سيكون مديرا لاذاعة وثقافة المدينة بنغازي !!.
* قالها سيدنا (جبريل) ولم يكذبه القدر،فكأنها نبوءة أو وحيا يوحي !! فبعد عشرون عاما تحديدً أي في عام 1976سيضعه أبن عمه أحد المحققين الكبار في السجون السياسية بالعاصمة طرابلس والذي سيكون المدير و المحقق الأمر الناهي في سجن الحصان الأسود الخاص بالسجناء السياسيين والمثقفين سيضعه جاسوساً وكاتباً للتقارير وواشيا علي عديد أدباء الشرق الليبي بحكم ثقته به من واقع صلة القرابة. الراوي
(أم موسي) ترد ضاحكة باللهجة كانت خليطا مابين المصري والسوري والليبي:
بتفتكر،حيصير منه ويبقي كاتب نشرات أد الدنيا ؟ في واحد من الراديوات.. راديو بنغازي مثلا أو في الصاكافة صكافتكم ياعرب بنغازي ؟
وأضافت بعد أن احتضنت طفلها بحنان زائد ومنحته قبله علي انفه الطويل جدا قائلة:
يا برني يارب ها الولد النايض.
تمتم السائق جبريل كعادته:
هيييه ياما لامه يا بنغازي من ذوايح!!.
ثم اضاف متمتماً:
مثل شعبي ليبي.« القرد في عين أمه غزال »
لا هاهاها توا يبقالك مدير ثقافة مونتكارلوا هاهاها أمشي أجعن اخشبه.
واضاف بحرقة بعبارته الساخرة:
ايييه ياما لامه يا بنغازي من ذوايح !!
واردفت أم موسي متسائلة وهي تبتعد:
كيف انخليه مديرا للاذاعة أو الصكافة ؟
رد الجميع:
ما فيش فرق بين الصكافة والسخافة واقيادة الأحوال هاهاها
وصاحوا:
خليه يكتب تقارير بصاصة ((وشاية)) ضد عباد الله وفي الخلق.
….أدار السائق جبريل اتجاه سيارته، من جديد، وأنطلق بعد أن قام بتغيير موجة المذياع، فبدأ يصدح بأغنية للاسمراني(عبد الحليم حافظ) الجديدة (في يوم في شهر في سنة)،وما أن تهادت الكلمات الي مسمع الركاب المتبقيين حتى بدأت (نجوي) تردح وتتمايل بجسدها الممشوق طربا، وفجأة أدار السائق سيارته، يمينا، حالما تهادي الي مسامعه آذان الظهر،معرجا في اتجاه سوق الجريد ليؤدي الفريضة بمسجد بالروين المفضل للصلاة لديه.
صاح الرجل والمرأة الراكبين معه خوذ شمالك ياأسطي شمال يا افندينا
تمتم (جبريل ):
الباين أنهم موش ليبيين حتي هم !.
فالمسجد يقع علي اليمين، وأعتقد أنها منحرفة، هي اتريد الشمال!
وأضاف:
أنه وقت صلاة الظهر، وترجل من السيارة بعد أن أوقف محركها طالبا منهم السماح له بأداء صلاة الظهر حاضر.
.. تململ الركاب من جراء الوقوف ثم تجرأت الراكبة (نجوي) باللهجة الليبية العامية حين قالت:
صلاتك عز الزين، ياخوي، بس موش لو كنت وصلتنا الأول، وحتلحق عليه الظهر توا أتصليه حتي في حوشكم ؟.
جبريل باللهجة الليبية:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،وسعي بالك يا بنت الناس، انا أحسبت تريدي تنشديني علي مكان مصلي الصبايا ؟ وتنزلي اتصلي الظهر!!.
والتفت إلي زوجها (قدري ) وقال:
ادويلك كلمة يا راجل !!
حيث قال بما معناه:
تكلم ولو بكلمة يا رجل !!.
أوتوكل معايا صليلك ركعتين علي حالك، تربح اجر أنت راك خاش علي ناس جديدة ومتسبب في مدينة واسعة وبادية تزحم…بنغازي بدت أتلم من كل جلاوي البلاد.
قدري:
بالله عليك أعفيني ياخويا،خليني مع هلي وناسي ندردش معاهم، وعندك الأذن.
وأضاف:
عدي أنت توكل صلي لربك، ربنا أيتقبل منك يا خويا وبمجرد مغادرة السائق( جبريل) لأداء الصلاة، حتي قامت (نجوي ) بتشغيل جهاز مذياعها التي كانت تضعه في حجرها طوال الطريق وبدأت تكمل استماع نفس الأغنية التي تبث من راديو بنغازي حينها.
عاد ( جبريل) لينطلق بركابه من جديد الي المنطقة السكنية، فهي منطقة جديدة، وسيكون عنائه ضئيل في البحث عن سكن يأويهم، فهؤلاء الغرباء قد قدموا من أقاصي البلاد هذه المرة.
*****
1- الجنسية هي ((الأسم القديم لمحطة الركاب المسافرين لمدن اخري ))
2- البلمن هي ((طراز من أول سيارات تستخدم في مدينة بنغازي ))
3- الكاروسات هي ((جمع كروسة وهي العربة الخشبية التي لها دولابا واحدا يجرها الحمار أو البغل)).
4- الكاروات هي ((جمع لمفردة كارو و هي العربة الخشبية ذات أربعة دواليب والتي يجرها حمارا أوالبغل و حصانا في أغلب الظروف )).
5- الكاليصات هي ((جمع كاليص وهي عربة خشبية فخمة يجرها الحصان أو الاحصنة )).
6- الدربوكة هي ((نوع من الطبول الصغيرة )).
7- الصرة هي ((عبارة عن قطعة قماش تربط حول مجموعة ثياب لتقوم بمهمة الحقيبة )).
8- الشنط فهي (( جمع شنطة وهى الاسم القديم للحقيبة ))
9- التسنيد: هو عملية نسب الفرد الأجنبي الغريب لقبيلة اخري بالاتفاق نتيجة المعاملة الحسنة بين الخادم وعائلة المخدوم، فيحمل اسمها فتوفر له الغطاء الاجتماعي كذلك وبدأت في نهاية الاربعينات من القرن العشرين.
10- المرابط: اسم مرادف لقبر الولي الصالح صاحب الكرامات.
11- والقرمة هنا هي(( النميمة )) !
12- البطمة هي (( مفتاح التشغيل في جهاز الراديو )).
13- ترس ((جأت بمعني أمسك بشدة بيديه وأسنانه))