محمد الطياري
رقصة تراثية ليبية أصيلة، مارسها أجدادنا منذ مئات السنين، ولازال الشعب الليبي مولعا بها ويمارسها حتى يومنا هذا، موطنها الأصلي المناطق الشرقية من ليبيا، وتمارس في سرت وبني وليد وسبها ومناطق أخرى من البلاد، وهي معروفة في المناطق الغربية من مصر أيضا.
عاصرت حركة الإصلاح الديني السنوسية رقصة الكشك، ولم يكن لها موقف سلبي تجاهها، إذ أن الشرق الليبي كان معروفا بولائه الشديد لهذه الحركة المباركة، وتقديره لسادتها، واحترامه الكامل لمكانتهم الدينية، ووقوفه عند كلمتهم في مثل هذه المسائل، وإذا كان للحركة السنوسية موقف غير موقف الرضى تجاه هذه الرقصة لانقرضت منذ زمن بعيد.
وليس هناك ما يدعو للشك في حضور المنتسبين للحركة السنوسية بصفة عامة لحلقات الكشك، بما فيهم أفراد الأسرة السنوسية أنفسهم، وشيخ المجاهدين عمر المختار، بل وممارستهم لها أيضا، فهم جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع الليبي في تلك المناطق، يشاركون أفراده أفراحهم، ويمارسون عاداتهم، ويحترمون أعرافهم وتقاليدهم ولا يترفعون عنها.
فالعبرة في نية الفرح والسرور بالمناسبة التي تمارس فيها هذه الرقصة، وخلو الأذهان من الدنايا، والممارسات من الفجور، ولعل هذا ما كان يعول عليه شعراء الرسول، وشعراء صدر الإسلام، في افتتاح قصائدهم بالغزل وبذكر أسماء محبوباتهم وبولعهم بهن وبأوصافهن الحسية والمعنوية، واستمرار الشعراء في اتباع هذا النهج إلى أن جاءت حركة التجديد في العصر العباسي.
ولعل قصيدة البردة لكعب بن زهير التي مطلعها (بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ :: مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ) ووصفه لمحبوبته سعاد بأنها هيفاء، عجزاء، مكحولة العينين، ذات صوت أغن، معتدلة القوام، وتعد وتخلف، وتتلون وتتقلب، وان قلبه اصبح عبدا أسيرا لها مكبلا بأغلال حبها منذ أن فارقته، لعل هذه القصيدة تكفينا مثلا على ما نقول، وتعفينا من إيراد الأمثال التي لا تعد ولا تحصى في هذا المجال، وذلك لجلال الموقف الذي ألقيت فيه.
فهذه القصيدة ألقيت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مسجده، وبعد صلاة الفجر، وبعد أن وضع قائلها يده في يد الرسول صلوات الله عليه، والرسول يستمع إليها من أولها إلى آخرها، بل ويقترح تعديلا في صياغة أحد أبياتها، إذ يروى أنه عليه الصلاة والسلام أوقف كعبا عندما قال: “مهند من سيوف الهند مسلول” وسأله: “ألا يصح.. من سيوف الله؟” قال: “بلى”، ثم يوشح الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام الشاعر بردته بعد انتهائه من إلقاء قصيدته هذه تكريما له عليها.
وما دمنا تطرقنا لصفاء السرائر وبراءة الممارسات، دعونا نورد مثلا لذلك من الفقه الإسلامي، فقد أجمع جمهور علماء المسلمين على أن عورة الأمَة (أي المرأة المسترقة) هي من فوق السرة إلى تحت الركبة، وأورد البهيقي (المتوفى: 458هـ) في سننه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَوله: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا بَأْسَ أَنْ يُقَلِّبَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا وَيَنْظُرَ إِلَيْهَا مَا خَلَا عَوْرَتَهَا، وَعَوْرَتُهَا مَا بَيْنَ رُكْبَتِهَا إِلَى مَعْقِدِ إِزَارِهَا» كما أورد في كتابه “معرفة السنن والآثار، عن أنس بن مالك «كُنَّ إِمَاءُ عُمَرَ يَخْدِمْنَنَا كَاشِفَاتٍ عَنْ شُعُورِهِنَّ، تَضْطَرِبُ ثُدِيُّهُنَّ»
فعلى هذا الأساس، لا بأس في رأيي بالكشك إذا صفت السرائر وبرأت الممارسات.