أ.د/ مني غريب | مصر
مازلنا نتحدث عن الشخصيات الأسطورية والاستلهام منها في علم النفس وكيف تم التعبير عنها من خلال الفنون بشكل عام والفنون التشكيلية بشكل خاص، وفي هذه المقالة نتحدث عن مصطلح نفسي يسمي (عقدة ديانا Diana complex) وهو مصطلح طبي معروف في علم النفس يوصف نوع محدد من الشخصية الأنثوية التي تتميز بشدة الاستقلالية والقوة ورفض الأدوار التقليدية للأنوثة، حيث يتم تعريف عقدة ديانا Diana Complex في نظريةِ التحليل النفسي بأنها عبارة عن رغبة الأنثى في اللاشعور بأن تصبح رجلاً، وهذا المسمى مستلهم من الميثولوجيا الرومانيَّة للشخصية الأسطورية (الإلهة ديانا) و التي كانت تُصوَّر عادةً كرمز للقوة والاستقلال والعفة، ولفهم سبب ربط تلك العقدة بهذه الشخصية الأسطورية يجب في البداية التعرف علي صفات شخصية (ديانا) في الميثولوجيا الرومانية، كانت ديانا ربة القمر، باردة العاطفة ومنطوية على نفسها، وتعتبر حامية العذراوات المتزمتة، وكان يطاردها في بعض الأحيان قليل من العشاق، ولكنها لم تستسلم إليهم إطلاقًا حيث اتسمت برفضها للرجال ومعاداتهم وتحدّيهم وأعدت لبعضهم مصيرًا قاسيًا، فكانت تتفاخر بعدم زواجها، وعذريتها بل وتتصرف كذكر، وتم تصويرها عادةً كامرأة شابة تلبس ثوب الصيد المربوط بحزام مع وشاح يغطي عنقها، واضعة الكنانة على كتفها وممسكة قوساً في يدها لتطلق به السهام، وهي عارية الساقين، وقد تنتعل حذاءً الصيد في بعض الأحيان، ويروي إنها اختارت العزلة في الغابات عن الحياة الراقية في عالم الآلهة، وكانت معروفة بشجاعتها كما كانت تحرس الحيوانات البرية وتحافظ على التوازن الطبيعي في الغابات، وتصب غضبها على من يتعدى على مقدساتها ومثلا لذلك ما حدث مع أجممنون أثناء حرب طروادة، حيث أنها منعت الرياح من الهبوب فتوقف أسطوله البحري بأكمله، نتيجة قتله لأيل في المنطقة المقدسة، كما يروي عنها أيضاً أنها كانت ساحرة قوية تستخدم السحر لحماية نفسها وبلدها، ومن خلال سمات هذه الشخصية الأسطورية التي نستشف من خلالها القوة والاستقلالية والتشبه بصفات الرجال سبب ربط اسمها بالمصطلح النفسي (عقدة ديانا) والذي يصف الأنثى التي تحمل شعوراً ازدواجيا تجاه الذكر، بمعني إنها تكره الرجال وفي نفس ذات الوقت تتشبه بهم في سلوكهم أو ملابسهم أو بالقيام بالأدوار التي يقوم بها الرجال، وهذه الحالة النفسية تختلف عن اضطراب الهويَّة الجنسيَّة، حيث أن في عقدة ديانا تكون الفتاة مقتنعة تماماً بكونها أنثى ولكن ترفض الصفات الأنثوية وعندها الرغبة في التشبه بصفات الرجل، أما في اضطراب الهوية الجنسية المرأة يكون جسدها أنثي وتفكيرها ذكوري وترفض كونها أنثي، وفي الحالتين هو سلوكٌ مشوَّه ليس من طبيعة المرأة أصلاً، وقد يكون ناتجاً عن إحساس الفتاة أثناء طفولتها بأنها أقل أهمية من أخوها الذكر مما يجعلها تشعر بالنقص، مما يجعلها بعد ذلك تسخر من الفتيات اللينة، و تشعر بالتقزُّز من الزواج و الحمل والإنجاب، وتقدِّر الاستقلالية والاعتماد على الذات بشكل كبير، وتلك الحالة النفسية تحتاج للخضوع للعلاج النفسي، الذي يعتمد بشكل أساسي على العلاج المعرفي السلوكي، ويركز على تصحيح الخطأ المعرفي المترسخ في ذهن الفتاة بأن الأنثى أقل من الذكر، ثم تدريبها على التعامل بطبيعتها الأنثوية، أما عن تصوير شخصية ديانا الأسطورية في الفنون التشكيلية فقد تعددت حيث تم تصويرها بطريقة تتشابه مع شخصية أرتميس الإغريقية (والتي يعتقد البعض بأنها نفس الشخصية)، إذ مثلت على الفخار وهي على عربة تجرها أيائل، أو في موقف صيد ترمي بسهمها أو توتره، وفي التماثيل صورت الإلهة مصحوبة غالباً بمشاهد تظهر فيها ممتطية أيلاً أو تكون ممسكة به، بينما تميزت موضوعات الفسيفساء بمشاهد مستمدة من سجل الرسوم الهلنستية، أو من عروض مهرجانات الملاعب والمدرجات الرومانية، أما أكثر النماذج تصويراً ولاسيما في الفترة الرومانية، فهو نموذج الصيادة ممسكة قوساً بيدها اليسرى، وتسحب سهماً من جعبتها بيدها اليمنى، أما عن تصويرها في أنواع الفنون الأخرى فنجد أن معظمنا يمكن التعرف عليها حيث أن أشهر تصوير لها في كتب الكوميكس متمثلة بشخصية (المرأة المعجزة Wonder Woman) والتي تم تجسيد شخصيتها في السنيما أيضاً وتحمل نفس الاسم (ديانا)، وبشكل عام نجد أن الفنون باختلاف أنواعها تجد الميثولوجيا خاصة الرومانية تربة خصبة للاستلهام منها وفي ذات الوقت استفاد منها علم النفس في استلهام مسميات بعض مصطلحاته.
القاهرة الثقافية | ديسمبر 2024م.