المقالة

البعد البوفاري اﻷنثوي لدى فلوبير

سيكولوجية التبئير ما بين فلوبير وإيما بوفاري

الروائي الفرنسي جوستاف فلوبير (الصورة: عن الشبكة)
الروائي الفرنسي جوستاف فلوبير (الصورة: عن الشبكة)

 وكما تحدث بطل “تشيخوف” – بعد أن يئس من البشر – إلى حصانه.. كان على “جوستاف فلوبير” صاحب رواية “مدام بوفاري ” – مارا بالحديقة – أن يقبل كلب السيدة , وهو يراها ترضع طفلها مما أثار في نفسه إحساسا غامرا، وبتقبيله الكلب كان في الواقع يعبر عن كامل امتنانه!.. كيف تصرف بهذا الشكل؟ شعور لم يعرف فلوبير كيف سيطر عليه ؟.. كان فلوبير على درجة مضطربة من الإحساس، انعكس على سلوكه، وقد بقي لفترة طويلة على هذه الحال، لعل الحساسية المفرطة بتفاعل الهرمونات اﻷنثوية لديه عن الهرمونات الذكورية، ما جعله قريبا من أحدى أهم شخصيات رواياته على الإطلاق  إيما بوفاري الذي عايش كل تفاصيلها الدقيقة، وقد يحدث اﻷمر بأقل دلالة نفسية، تجعيدة ما على ياقة فستانها مثلا، أو لمسة يديها حين تكون متشربة بتلك العاطفة التي تفتقدها “المتزنة” نتيجة تربية صارمة ما جعل العاطفة لدى ” إيما ” تطوي تحتها كل تقلباتها، وهي تتبعها مسلوبة اﻹرادة بقوة خيال مشوش نتيجة حياة غير معاشة، فإذا ما نظرت إلى “إيما” فكأنك ترى روح فلوبير من الداخل في العمق، وهو يندمج بشكل خرافي، وبكل تناقضات كائناته الروائية. يمسرح كل ذلك فهو الضاحك الباكي الصارخ، وتتلوى الجمل في فمه، كأنه ليتأكد من تأثيرها على أبطاله حية مرتعشة، قبل اكتمالها على الورق. وكيف أنه يتعامل معها فسيولوجيا، وبكل حالاتها النفسية، فكان أشبه بمحرك خيوط عرائس نسي صوته وأصابعه في اللعبة.. اضطراب عانى منه فلوبير نتيجة عاطفة مسرفة حد الهوس، في أحدى رسائله تجده يقول : لو كانت حساسيتي تكفي ﻷكون شاعرا لكنت أهم من شكسبير. ينعكس كل ذلك بتفان على أدبه، وأسلوبه في الكتابة، ورغم اعترافه أن الفن أسلوب قبل كل شيء، فأنه كان على النقيض من ذلك يكتب تحت تأثير تلك العاطفة بالذات!، وقد أدرك أهمية وجود ذلك التوازن حتى لا تسيطر عليه العواطف في تدفقها العفوي، وتمنع بالتالي إيجاد اﻷسلوب المناسب -.لا تدع كل ذلك يفلت ليكون النموذج أمامك – واﻷسلبة تتغير وفقا للوعي الإنساني المتغير بدوره، وهو ما يهم المبدع بالدرجة اﻷولى.. يمضي فلوبير ما بين يأسه، وتفاؤله في حياته العاطفية، ويجعل منها مصفاة لخلق إيقاع يناسب أسلوبه، مرة يتلون بشاعرية تشف عن حالة شديدة الحساسية، ومرة تحكمه الدقة في السرد بمنهجية قاسية، كل ذلك يتم داخل نطاق اﻷدب بالنسبة لفلوبير، أما خسائره في حياته، فأولها وليس أخرها كان قلبه الذي أماته ليعيش تفاصيل رواياته، بكل عاطفة ممكنة، ويمنح أبطاله كل ما هم عليه من فرح وحزن، ويدفع ثمن كل ذلك بافتقاره إلى علاقات إنسانية حقيقية في الحياة، ربما هذا اليأس هو ما جعل فلوبير يمتلك تلك الخاصية الفائقة لكتابة روايته العظيمة “مدام بوفاري” وهو محمل بكل تلك التناقضات.. ومن ثمة تحرر إيما وفلاتانها أخيرا من قبضة يده وجحيم مشاعره المعقدة.


زاوية الصباح الثقافي.

مقالات ذات علاقة

إثمٌ دينيٌّ قوميٌّ

عبدالمنعم المحجوب

نشوة الدكتوراه

عادل بشير الصاري

طيوب و..”تكنوفوبيا”

المشرف العام

اترك تعليق