5- نوفمبر
حمزة الفلاح
يوم أخر بائس يمزحُ معي مزاحًا ثقيلًا؛ سيارةٌ معطلة منذُ ثلاثة أيام، محفظةٌ فارغةٌ إلا من تعريفي الشّخصي للتعرفِ على هويتي ساعة الموتْ، وهاتفٌ من دونِ رصيد؛ للاتصالِ بأحدِ السفلة العاطلين لينقذني من هذا الجنون، ويدعوني لشربِ فنجانِ قهوةٍ على حسابهِ.
هل يمكنُ وصفُ الحالة دون تعقيد ؟
واقعُ الحال يقول أنكَ تنفقُ رصيد أيامكَ الذي لا تملكُ غيرهُ هُنا
في موتٍ يتخذُ وضعية السّكون، وهو عندما تلقي بجسدكَ على السرير آخر اليوم إلى موتٍ حركيٍ بطيء عندَ استيقاظكَ مع كثيرٍ من الكلام. أظنهُ وصفٌ جيدٌ، لا أدري، أو ربما هي هرطقةٌ قد تدفعُ القارئ إلى رمي هذا الكتاب من النافذة !
المهم أن الملاك المخلص يأتي بعد محاولةِ الاتصالِ بثلاثةِ أرقامٍ مختلفة بصديقٍ جيدٍ يخرجُ رأسهُ من زجاجِ سيارتهِ عند وصولهِ، وأنا أنتظرهُ عند ناصية الشّارع، وهو يصرخ ضاحكًا أصعد أيها المفلسْ. أجلسُ في صمتٍ بينما نحنُ في طريقنا موجهًا لي
الحديث؛ دون اكتراثٍ لهُ مطلقًا؛ ليسَ انتقاصًا وإنما اعتياد
ضروري لذاتِ الهراءِ الذي أسمعهُ، ونتبادله كل يوم – ذلكَ الهراءُ العاطفي حول طرحِ المشاكلِ بصيغٍ مختلفةٍ ليسَ إلا، والذي
صرتُ اعتبرهُ تنويمًا مغناطيسيًا لمعاناتنا، أو حبوبًا لتسكينِ الألمْ.
يتكلمُ كثيرًا، يطلقُ النكاتَ القديمة، يضحكُ دونَ مناسبةٍ، وأخيرًا يغني، وهذا ما كانَ يفقدني صوابي فأسألهُ: ما الذي قد يدفعكَ للغناءِ في هذهِ الأوضاع المزرية ؟
يجيبني :
-أحاول.
-تحاول !
-نعم.
-وأنتَ لماذا تكتبُ ؟
أجيبُ:
-لدي وعودٌ لأفي بها وأميالٌ لأقطعها كما يقولُ
روبرت فروستْ.
-ها أنتَ الآنَ تحاولُ أيها الوغد.
ويبدأُ في الغناءِ مرةً أخرى.
من كتاب: حمزة الفلاح (بحث عن مفقود في غرفته)، منشورات براح للثقافة والفنون، بنغازي، 2021م.