قصة

قصتان قصيرتان

من أعمال التشكيلي إيهاب الفارسي – معرض أشرعة السماء (تصوير هدى مرغان)

رائحةٌ من سكينة

 سواني الجبيلة التحتية* تمتد جذلةٌ كسجاد فارسي، سحائبها تعزف الحان الخريف، تحتها تجمعت طيور السليوة مترنمة، لا تبالي بالخريف، حلّقت فهبطت فحطت ببهجة فتعطرت ترقب لحظة من سجاياها إلفةٌ حراء.. أثواب شجرة برتقالٍ نزهيةٍ بهيةٍ تأويها، غنت تتلوا مواجدها..  يذوب عطر ماء الزهر من رقصٍ و يروي السواني ومحرابه السامي ، طيور لا تخفي دهشتها من فيض سماء فيروزية ، ترنمت تنثر لحونها، أثمر الزهر أزهاراً، الزهر للحياة استعد يقرأ لها سيرة الغيوم الخفية ، جدّته تُعد القهوة ، ماء الزهر يبتهج أكثر ، رائحة القهوة مُبهجةٌ ، جدته الوقورة سنية أعدّتها بالبن السومطري بصوتها الغرِدُ ، أطلقت البخور منهمراً ، تحبو في عزّ بخطواتٍ واثقاتٍ ٍ، تبتسم في فرحٍ بسمةً مشرقةً ، لا موعد بينه وبينها ، أنِسَتْ به مثل أُنس ضياء الفجر بالندى  ، قدمت القهوة بيديها المليئةً بالدروب المورقة ، تقدمت منه، قالت : ” مريحبة وعشر مراحب”، مدّ يدّه ، أمسك بأُذن الفنجان ، قال : سلمت يداك ، أحس بتباريح الحنان بعينها، هزّت كيانه طلعتها البهية وظل يحتسي قهوته طرداً للوحشة حتى لا يفيق.

الأنس بالماء

نزل المطر رذاذاً رشراشاً في سحِّه الندي ينشد حكايات العيون السود، عيونٌ شهيّ سوادها، نزل الرذاذ أنيساً بالماء يحمل طيوف الغروب فوق سواني الجبيلة التحتية.. فوق عناقيد العنب الخمرية طائرُ سليوةٍ في حيرةٍ هاربٍ يترنم بصفيرٍ نقي الزفرات والرنين.. هكذا  تغرغرالسا قية فرحةً تحت شرفة طيب السحائب محضن الغيوم  ،غرغرةً طال سفرها فأقبلت مزهرةً، تحت غيمةٌ وُلدت من يقين الغيم تنهمر الأشعار منها  تجلسُ  صبيةٌ في ثوب أميرةٍ اندلسية تسقي الزرع وعلى رأسها تاجٌ من الأكليل و الياسمين ، فستانها من حريرٍ فارسي خفيف هفهاف أرق من النسيم و أنفاس الفجر ، في كل غيمة صورة من كلف تحلم بالقرب منها ، علّعا ترى اللؤلؤ الكامن في الصّدف، ورد العشية الأحمر القاني تفتح منثورً العيون يشتهي لحظها ولثم مُحياها ، مطرٌ يتساقط بالشوق المذاب على كتفيها فزداد عطشاً يفتح منبع العبير ، شعرالصبية ينثُّ عطره يملأ عبيره الفراغ بجذوةً نيّرة ، ناداها عبير السكوت وقد أزمع الكلام ، الطيب يعبق في الثرى ، اِقترب طائر السليوة منها ، إمتثل لها بشراً ، كأن الخريف ربيع ، يخفق القلب للعشق ، همس متردداً دون إستئذانٍ : هل لي أنْ أكون لك مظلة ؟ ابتسمت، فغابت، ولا دلّ عليها الأثر.


* الجبيلة التحتية إحدى أحياء مدينة درنة كانت تفيض بالطيب والسواني المثمرة وفي اجوائها كان يمرح طائر السليوة.

مقالات ذات علاقة

الدرويش

سعد الأريل

قصقصة ..!!

ناجي الحربي

منو قال فمك أبخر ؟..!!!!

المختار الجدال

اترك تعليق