رأيت فيما يرى النائم الشيخ أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي يتوسط حلقة من حلقات طلاب العلم تحت شجرة في برية من براري الكوفة ، يحدثهم عن الموت ، وإذا بأحد الطلاب يسأله : هل تجوز يا مولانا الصلاة على الميت الملحد ؟ .
تنهد الشيخ أحمد ، وأخذ نفسا عميقا ، ثم أجاب قائلا :
نعم يا بني تجوز الصلاة على الميت الملحد ، فهو من خلق الله سبحانه وتعالى ، ولكن لكونه لا يدين بأي دين فإن له صلاة مخصوصة ، أرى أن تؤدى على النحو التالي :
يؤتى بالميت الملحد ليلا في مكان خال ، ويوضع جثمانه خلف جمع من الملاحدة ، يتقدمهم أصغرهم سنا على أن يكون أمرد حاسر الرأس .
ينثر الشاب على الميت الملحد ورودا حمراء ، ويرتل بصوت خافت شجي :
أمنا الطبيعة الصماء … ها هو ابنك البار الملحد الذي لم يعشق سواك ، وكفر بالآلهة جميعها فلم يؤمن إلا بك ، جاءك اليوم يريد النوم الأبدي في حضنك ، فترفقي به ، ودعيه يهنأ في نومه .
ثم يقرأ بصوت عالٍ العبارة الآتية ثلاث مرات:
(( تبا للوجود إذا لم يفجِّر في الإنسان قلقَ الوجود )) .
وحين ينتهي الشاب الأمرد من قراءته يضع الكتاب فوق صدر الميت الملحد ، ثم يتقدم خطوتين ، ويرجع المصلون الملاحدة من ورائه خطوتين ، ثم يشرع في الإنشاد، وهم ينشدون معه بصوت واحد على مقام (السيكا) الصلاة الآتية :
حياة ثم موت ثم بعث …. حديث خرافة يا أم عمرو
بعدها يقف المصلون الملاحدة مجموعتين متقابلتين ، يعزون بعضهم بعضا في فقيدهم الملحد ، مجموعة تقول بصوت عال : البقاء للإلحاد والملاحدة .
وترد عليها المجموعة المقابلة : حي هو الإلحاد … المجد للإلحاد في الأعالي .
بعدئذ تتولى المجموعتان حَفْرَ حفرة عميقة ، ويأتون بجثة الملحد ، ويقذفونها في الحفرة قذفا ، ثم يهيلون عليها التراب ، وينشدون على مقام (الحجاز) الصلاة الآتية :
لقد ذهب الحمار بأم عمرو … فلا رجعتْ ولا رجع الحمارُ
عندها ينصرف المعزون الملاحدة فرادى ، وهم ينشدون على مقام (نهاوند) :
طلع الكفر علينا من ثنيات العنـاد