ومضات في الكتابة الليبية
نومض بالكتابة في حوار آخر (الثاني) من حواريات محمد الزنتاني، التي صنعها بأسلوبه قصصاً، وهو ما سيأخذنا إلى “إرنست همنغواي” مؤثراً مبكرّاً. كونه كما وصفه “غبرائيل غارسيا ماركيز” أحد أبرع صائغي الحوارات في تاريخ الأدب”. فالحوار يبدأ :1- أنا قلت: هناك دائما ” ثمة ” أمل! ـ 2-أجل، أنا قلت الجملة نفسها: هناك دائما بارقة أمل! ـ 1- كيف ذلك؟ ـ 2- أعني لا فرق بين الكلمتين! ـ 1- لا، ليست هي نفسها، وهناك فرق بين الكلمتين! ـ 2- ما هو الفرق إذا! ـ 1- الأمر مختلف!
نُنهي هدا الحوار الملتبس بالبحث في الفرق مستعينين بكتب فروق اللغة ككتاب أبي هلال العسكري. حيث ترد الكلمة الوظيفيَّة “ثَمَّة” كاسم اشارة للمكان البعيد بمعنى هناك، وهو ظرف لا يتصرف، أصله ثَمَّ، كـ: ثَمَّة حدود للصبر، وثَمَّة أمر لابد من ذكره، وعنوان قصة كـ: ليس ثَمَّة أمل لكلكامش. كتب الفروق اللغوية لا ترى اختلافا بين ثمة الظرفية وبارقة الوصفية فتجمع بينهما في جملة “ثمة بارقة أمل “. يتبع حوار قصص الزنتاني أسلوبية حوار همنغواي للكشف عن شخصية المتحاورين في قصته وأوضاعهم دون الحديث عنهم. حيث تكون حقيقة الأشياء إظهاراً وليس إخباراً، فتباغت القُراء بصدمهم عن طريق النمو البطيء، والردود الذكية السريعة والتلميحات الخفية التي تتطلب من القارئ مستوى معقولاً من الوعي واليقظة التامين ليستخلص الكل من خلال الجزء والعام من خلال الخاص، وهذا الحوار يتجنب الاستخدام المفرط للصفات والظروف والجمل الثانوية ،ويأتي غالباً مجرداً عارياً من أي توضيح نفسي كما يفعل الكتاب حينما يقولون: فأجاب ساخراً، أو: وقال بصوت حزين، فالجملة الحوارية وحدها تضمن بإيجازها وتركيزها تزويد القارئ بما تبيّنه “دوروثي باركر” بتلك المعلومات النفسية المطلوبة. بتوسل الجمل البسيطة التي تُبديها كلمات في قصة حوار (الأوّل) كـ: بـ “ارتباك، بقلق، مؤكداً، لامبالياً، متصنّعاً،الخ..”.
الحوار (الثالث) الدي يبدأه “مونولوغ”:”بعد ما أجهدت نفسي، وأنا أتحدّث إليه بهدوء ورصانة وباحترام بالغ، وبعد أن حدّدت له موقفي بوضوح، وشرحت له وجهة نظري، مدعّما كل ذلك بالأدلّة والبراهين، ولافتا نظره لما قد يكون التبس عليه من الأمر، مما سمعه من الآخرين عنّي، بعد كل ذلك، قال موجها الحديث لي في “ديالوغ” ختمه بكلمة واحدة: – “خرّف”! تشبه كلمة “واااك” التي أنهت الحوار الأول.
القصة التي بمجملها تقوم على الحوار المكتوب بعناية مدروسة ليكون مشتتاً مفككاً يهدف بتعبير جيمس بالدوين، فيما نقله عنه “جو موران” وأضاف إليه إلى “كتابة جملةٍ نظيفةٍ مثل العظم ما تقوله هو: كيف تقوله”. في الحوار (الرابع) ينتهي إلى “القرار”: “- لا تضطرني إلى فعل ما لا أود فعله. – بل لابد لك من أن تفعل ذلك. – سأطلق عليك. – هذا ما أريده. – سأفعلها حقا. – افعلها. – سأطلق. – أطلق. – سأطلق. – أطلق، وإلا سوف أطلق أنا. – أطلق. – أطلق. – أطـ..” . هنا حوار قصة الزنتاني ينتهي بنا إلى “العبث” كما في مسرحية لـ لصمويل بيكيت أو يوجين يونسكو، لكن بتقنية همنغواي التي وصفها “فرانك أوكونور” بأنها تطمس التضاد الحاد الذي ينبغي أن يوجد بشكل مثالي بين القصة والمسرحية، ففي القصة يقدم القاص للقارئ، ما يعتقد أنه حدث، أما في المسرحية فيدلل له حقيقةً أن هذه هي الطريقة التي حدث بها”.
– في إهدائه الذي طبعه على غلاف كتابه” الصبي الوردة” الصادر عام 2008 كتب محمد الزنتاني: “إلى.. نورالدين خليفة النمر (ربع قرن من الحوار في الأدب والثقافة) “.
– الحوارات الأول والثاني والثالث والرابع هي: قصص الزنتاني في مجموعتيه „الصبي الوردة“ و“ما قد تبوح به الشمس ساعة الظهيرة