رواية من الأدب الليبي الساخر
-6-
بينما كانت مجموعة من الشباب الممتشقة للبندقيات نوع كلاشنكوف، جالسين بالغرفة المطلة بنافذة على الشارع العام، ليراقبوا حركة الدخول والخروج من وإلى مقر المؤسسة الثقافية، ليقرروا من يسمح أو يمنع من الدخول، لمقر مؤسسة (حي على الثقافة)، بشكل روتيني متعارف عليه، اذ بسيارة أجرة نوع (تاكسي)، تتوقف ليهبط منها شخصا زائرا ومعه ثلاثة من الحقائب المختلفة الاحجام، والذي ما أن راؤه أفراد الحرس، حتى سارع رئيسهم بالتوجه إليه، مستوضحا منه عن اسمه وصفته وعن الجهة القادم منها وسبب قدومه.
أجاب الزائر:
اسمي (مصباح) وأنا للتو قدمت من مدينة بنغازي.
يرد رئيس الحرس مرحبا:
مرحبتين بيك خوي
مرحبتين بخوتنا الشراقة (1)
وأضاف متمتما مخاطبا افراد المجموعة المسلحة:
يا حليلي(2) يا حليلي
هيا خوذلك هيه (3) يانسكم (4) اشلافطي (5) اخر يا حليلي وهالمرة لابس قرواطة راه.
ثم التفت من جديد مخاطبا (مصباح):
وباش نقدر نخدموك يا شرقاوي؟
مصباح:
بارك الله فيك.
… ياريت اتوصلني برئيس المؤسسة راني قاطع مسافة ألف كيلو متر في الطريق باش (6) انقابله.
رئيس الحرس والذي تجمع من حوله بعض أخر من أفراد الحرس يوجه كلامه ل (مصباح):
حاضرين خوي، توا (7) انخششوك (8) ع (9) المدير لكبير، لكن خلينا عاد نفهموا ايش (10) مشكلتك باش انسهلولك امور الزيارة عاد.
مصباح:
عندي بعض الأمور الثقافية مايقدرش ايتمهن (11) الا هوا (12)
رئيس الحرس:
هنا شغل وانا المسؤول عن كل معلومات الزوار وممكن انا اللي (13) نخدمك بدل من الرئيس
ما عندنا علاش (14)
انتعبوا فيه.
مصباح:
يا أفندي، “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان “
يا خوي يا خوي
انت بسلامتك راجل تفهم في امور امن المنشآت والمؤسسات واختصاصك امور حماية.
ورئيس المؤسسة يفهم في أمور الثقافة واختصاصه تسهيل اجراءات المتعلقة بأهل الثقافة وأنا واحد منهم. ولو انت تقدر
اتقرر في موضوعي، راك (15) انت الرئيس، فكل موظف واختصاصه!
وأضاف:
يعني انت بسلامتك تخدم بصفة رئيس للحرس ما شاء الله، وتخصصك حفظ الأمن وفض النزاعات وقضايا السرقة والفساد، ورئيس المؤسسة الثقافية بصفته متخصص في ادارة الشؤون الثقافية ويخدم على تعزيز دور المثقفين، وحل المختنقات اللي تواجههم.
يعني فيه اختلاف وفرق كبير والحديث ومحتوي الحديث بالتأكيد حيكون مختلف، فالحديث أنواع، الحديث ليس هو الحديث والكلام والدوة موش وحدة (16).
رئيس الحرس بعد أن همس بإذنه أحد أفراد الحراسة يوجه حديثه ل (مصباح) بطريقة عصبية:
معناها بره (17) اجلس ع الكرسي في السقيفة (18)
البرانية (19)، وراجي فيها (20) توا اساع (21) اتخشله (22).
وأضاف متمتما:
خليك برائك، دورني (23) عاد.
..بعد ساعتين بدأ الملل يتسرب الي (مصباح )، ثم بدأ يتذمر علنا معربا عن احتجاجه ضد افراد الحرس خصوصا وأنهم ليسوا افراد حراسة نظاميين بل هم شباب المنطقة التي منها الرئيس، فكل منطقة في غرب البلاد نظمت امورها الأمنية بمثل هذه الطريقة، و كل مؤسسة حكومية في غرب البلاد، انتظمت امورها الأمنية بالشراكة مع افراد من الشباب ينتمون الي المنطقة التي جاء منها رئيس هذه المؤسسة وتلك وغالبا يتكونون من اقارب هذا الرئيس أو ذاك وابناء عمومته ، فالشباب الثائر الان يرفضون العمل تحت ادارات أمنية حكومية ، ويفضلون العمل كمجموعات تخضع لقائد مجموعة هو أكثرهم سطوة ونفوذا وتضحية ابان احداث السابع عشر من فبراير التي قوضت نظام العقيد القذافي في ليبيا وهزمته شر هزيمة.
… بدأ الاحتجاج يتصاعد ومن ثم الشجار بين (مصباح) وبعض من افراد الأمن ورئيسهم، فأنتبه كل من كان داخل المؤسسة للمشاجرة، حتى وصلت الأخبار الي نائب رئيس المؤسسة وهو الرئيس المكلف، فأعطي تعليماته بإدخال الضيف الزائر بعد أن تعرف على سيرته الذاتية والأدبية من خلال وضع اسمه على محرك بحث القوقل في الشبكة العنكبوتية، فقادته الي أغلب المعلومات الخاصة بالزائر وكذلك أغلب اهتماماته، والتي اجبرته على ضرورة إدخاله، فيبدو أن له علاقة بكل ما هو متعلق بالثقافة.
يتبع…
هامش:
1- الشراقة: أهل الشرق الليبي وهو مصطلح غير محبب بدأ يظهر بقوة بعد سقوط نظام الحكم في ليبيا، وساهم في احداث حالة من الشرخ الاجتماعي والسياسي.
2- يا حليلي: بمعني يا فرحتي ولها عدة معان، وقالها هنا في هذا الموقف لغرض السخرية والتندر.
3- هيا خوذلك هيه: تقال تذمرا بمعني (لقد وصلت الامور الي حدها).
4- يآنسكم: يآنسكم اي جاءكم ضيفا عزيز ولها عدة معان باختلاف طريقة الالقاء، وقيلت هنا بشعور السخرية والتندر على الضيف الزائر.
5- الشلافطي: المتخلف.
6- باش: حتى
7- انخششوك: نقوم بالسماح لك بالدخول.
8- توا: الان
9- ع: علي.
10- ايش: جاءت في هذا السياق بمعني: ماهي
11- ايتمهن: يقوم بإنهاء امرهن
12-إلا وهوا: باستثناء هو فقط.
13- اللي: الذي
14- علاش: تعني لماذا بلهجة أهل الغرب الليبي
15- راك: احذر او انتبه او خذ بالك
16- موش وحدة: ليست واحدة.
17- بره: اذهب بلهجة اهل الغرب الليبي.
18- السقيفة: قيلت بغرض الاهمال للضيف وبشعور عدم الترحاب حيث جاء معناها هنا بمعني الاستقبال وهنا قيلت بغرض عدم الترحيب بالضيف الذي من العادات الجيدة يجب أن يكرم ويوضع في الصالون، وحرفت عن طريق القائل في النص لتبتعد الكلمة عن المسمى المشتق تاريخيا عن (سقيفة بنى ساعدة).
19- البرانية: الخارجية.
20- راجي فيها: انتظر بها.
21- اساع: سوف اقوم.
22- اتخشله: تدخل إليه.
23- دورني: ابحث عني ولكنها استخدمت في هذا السياق لتعني معني عكسي حيث عنت: أنك لن تجدني
