كنا صغارا نجتمع ببيت جدتي وكانت أحلى لحظاتنا معها حين تجمعنا في صفاً واحدا للمنام. كانت تتكئ على جانب من جمع منامنا، بعد أن تقفل النور، وتبدأ تحكي لنا عن الغولة، وكيف كانت تخيف الكبار وتفزع الأطفال.
حقيقة كنا نحب تلك الحكايات، لكنها دائما ما تبدأ مرعبة (غولة الجنانات، وغولة عقاب الليل، وعجيزة القايلة، وووو). لكنها وفي لحظة مبدعة وعفوية تنقل دراما حكاياتها تلك لمشهدية أخرى ينتصر فيها الإنسان، وتفر الغولة بعيدا وتغيب في الظلام. فننام بعد أن تدثرنا بألحفتها الصوفية، والتي نسجتها بسدوتها ونحن بغاية السعادة..
كبرنا عن سن الطفولة تلك، وصرنا تلاميذا أغلبنا بالإعدادية، وتغير حال البلاد والعباد، لكن حنينُنا لبيت جدتنا لم يفارقنا يوما، فكنّا نزورها ونبيت عندها كل ليلة خميس، لكنها صارت تعاملنا ككبار فتهتم بعشائنا، بثياب نومنا، أغطيتنا، ثم تطفى النور وتوصينا بالهدوء.. وتغادر لفراشها..
ذات ليلة سألناها:
– حناي، باتي حدانا زي زمان؟
قالت:
– علاش هاكم ما شاء الله كبار! وما عندكم ما ديروا بيا!!
تطوعت حينها بسؤالها دونا عن اخوتي:
– وراس حناي باتي حدانا، واحكينا ع الغولة زي زمان!
ابتسمت حينها وأجابتني:
– وينها الغولة يا ولدي؟ تغيرت الدنيا تغيرت النفوس، والغولة سيبت وهاجرت من البلاد.. الغولة يا ولدي ما تطلع إلا في وقت فيه البركة والخير والنوايا الحسنة.. وحين غاب كل هذا خافت الغولة وهربت. فالبشر صاروا الان هم الأغوال! وهم من يخشاهم الخيرون، ويخافهم الأطفال!