إن الشعر نشاط تخيلي هدفه الإثارة، وهو بهذا يختلف عن النثر الذي هو نشاط ذهني عقلي مجرد هدفه إبلاغ معنى محدد، وبالرغم من أن الشعر والنثر يغترفان من معين واحد هو اللغة، فإن طريقة استعمال كل منهما لمفردات اللغة تكشف عن الفرق بينهما، فالنثر يستعمل هذه المفردات كما هي في الوضع اللغوي دون أن يعني بمنحها دلالات جديدة، لأن مهمته الرئيسة هي إيصال الحقائق إلى القاريء وإبلاغه بمضامين وأفكار محددة، لكن الشعر عادة ما يفرغ هذه المفردات من دلالاتها المعجمية، ويشحنها بدلالات جديدة بقصد التأثير في المتلقي.
قال الشاعر الفرنسي بول فاليري مبينا الفارق بين الشعر والنثر:
(( علاقة النثر بالشعر تشبه تماما صلة المشي بالرقص، فالمشي له علاقة محددة تتحكم في إيقاع الخطو ، وتنظم شكل الخطو المتتابع الذي ينتهي بتمام الغاية منه، أما الرقص فعلى العكس من ذلك، فعلى الرغم من استخدامه نفس أجزاء الجسم وأعضائه التي تستخدم في المشي فإن له نظام حركات هي غاية في ذاتها )).
ويفهم من هذا التشبيه الطريف أن النثر وسيلة نفعية، وأن الشعر غاية جمالية تأثيرية، وهذه الغاية يؤديها الشعر بالمجاز الذي يعني في اصطلاح البلاغيين اجتياز الألفاظ معانيها الحقيقية إلى معان أُخر غير حقيقية.