(جديرة أيضا بالتأمل والمطالعة)
من سابع المستحيلات في أيامنا هذه أن يعترض طريقك ذئب حقيقي.. ويسلم عليك.. ويخاطبك بلغته الذئبية التي لا تفهمها.. هذا من سابع المستحيلات.. ولكن ليس من المستحيل أن تقابل هذا الذئب في هيئته ونسخته البشرية.. ويحدثك بلغتك التي تفهمها.. وينهش لحمك في غيابك.. وينتقم منك على طريقته الذئبية الخاصة.
نعم.. هذا ليس من المستحيل.. فما أكثر الذئاب البشرية من حولنا.. وما أكثر الثعالب والكلاب والحمير.. أعني ما أكثر الذين تطبعوا بطبائع الذئاب والثعالب والكلاب.. وحتى الحمير.. أعزكم الله.
من هنا.. لا تستغرب من تقلبات أحوال البشر من حولك.. فهناك من يعاملك بطباعه الذئبية.. وهناك من يعاملك بطباعه الكلبية.. حيث ينبح كثيرا في غيابك ويصمت في حضورك.. ومنهم من يتقلب في طباعه الحيوانية من الخانة الكلبية.. إلى الحمارية أو الخنزيرية.. أو غيرها.. حسب حالته الخاصة.. أو المواقف المؤثرة التي يمر بها.
ومن المؤكد أن للعرق والأصل دور في هذا الأمر.. فالعرق كما يقولون دساس.. فالأفعى بطبيعتها لا تلد إلا أفعى مثلها.. والعقرب لا تلد إلا عقربا.. والذئبة أيضا لا تلد إلا من جنسها.. وهذا تماما ما أشار إليه الشاعر الذي تساءل باستغراب قائلا:
بقرتَ شويهتي وفجعتَ قلبي ………… وأنت لشاتنا ولدٌ ربيب
غذيتَ بدرها وربيتَ فينا …………… فمن أنباكَ أن أباكَ ذيب
إذا كان الطباع طباع سوء ………….. فلا أدب يفيد ولا أديب
وهو أيضا ما أشار إليه شاعر آخر بقوله:
ومن يصنع المعروف في غير أهله …. يلاق الذي لاقى مجيرُ أم عامر
اعد لها لما استجارت ببيته ……………… أحاليب ألبان اللقاح الدرائر
وأسمنها حتى اذا ما تمكنت …………………. فرته بأنياب لها وأظافر
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من ….. يجود بمعروف على غير شاكر
قال القشيري أبو نصر :
قيل للبجلي أتجد في كتاب الله تعالى: (اتَّقِ شَرَّ مَنْ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ).. ؟ قال: نعم : (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ).. بمعنى وما أنكروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا.. إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله.. فاتق أنت شر من أحسنت إليه.
أعني وباختصار شديد :
تذكر هذه الطباع البشرية المختلفة والمتقلبة.. وأنت تطالع هذا الكتاب.