الطيوب
أقام مجمع اللغة العربية بطرابلس ضمن نشاطات المكتب التنفيذي محاضرة بعنوان (إشكالية المقابلة بين مصطلحيّ الحقيقة والمجاز وأثرها في الفكر الإسلامي) وذلك صباح يوم السبت 26 فبراير الجاري بقاعة اجتماعات المجمع، ألقاها الدكتور “عبد الحميد عبد الله الهرّامة” رئيس المجمع وقدمها الدكتور “محمد مصطفى بلحاج الذي قدم تعريفا موجزا بسيرة المُحاضر والمهام والمناصب العلمية والإدارية التي تقلدها بالإضافة لمؤلفاته وكتبه المنشورة.
وأشار الدكتور الهرّامة في مستهل حديثه إلى أن اختيار مصطلح الحقيقة في مقابل مصطلح المجاز أوقع بعض العلماء في حرج دخول المجاز في القرآن الكريم والسنة الشريفة الأمر الذي أدى حسب الدكتور الهرّامة إلى تدخلات في أسس علم البلاغة واختلافات كثيرة في التفسير والعقيدة والفقه، مؤكدا بأن أن المجاز لا يقابل في معناه الحقيقة البلاغية بل يشابهها بغرض توكيدها أو التوسع في التعبير عنها، وقد أضاف أن المحاضرة تهدف لاقتراح بديلا جديدا يؤدي الغرض بقصد مصالحة الأمة مع نفسها ومع تراثها وتابع إنما هدفنا هو التوفيق بين المسلمين وتحسين الظن بهم ولكن ضمن منطق لغوي يُقرّه العقلاء ويطمئن إليه المؤمنون ويحافظ في ذات الأمر على قواعد البلاغة وأصولها المعروفة.
كما أوضح أن العقل العربي استقر في القرون المتأخرة على حقيقة تعني الحق واليقين والصدق وأن ما يقابلها هو الكذب والباطل، غير أن سياقات المعجم التاريخي أثبتت أن ثمة معنيين للحقيقة ظهرا منذ العصر الجاهلي، أولهما الحقيقة بمعنى الأصل والجوهر وثانيهما الحقيقة بمعنى الحق والصواب، وحسب الدكتور الهرّامة أدى هذا التنوع في معنى الكلمة إلى لبس في فهم الحقيقة البلاغية.
وتوقف الدكتور الهرّامة عند المصطلح في التاريخ العربي لاسيما على دلالاته مشيرا أن أول سياق معروف للحقيقة يرجع لحوالي السنة التسعين قبل الهجرة ويعني ما وجب على الشخص حفظه وحمايته، مبينا بأننا نجد ما يعزز المعنى الأول وهو الأصل والجوهر في الحديث النبوي الشريف الذي يقول لكل شيء حقيقة وما بلغ عند حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن إلا ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأردف أن الحقيقة في هذا الصدد تعني الأصل الذي اختاره أهل البلاغة مصطلحا مقابلا للمجاز فهي جوهر يقابل العرض وأصالة تقابل التقليد والتشبيه ومن ظن أن المراد بالمجاز هو الكذب فقد التبس عليه الأمر وبنى فهمه على أساس غير سليم.
وتعرّض الدكتور الهرّامة لمشكلة مصطلح الحقيقة التي رأى بأنها تكمن في مقابلة معنى الحقيقة بالمجاز مما يُشعر بالتضاد المعنوي بينهما بينما الواقع أن المجاز مشابه للحقيقة التي هي بمعنى الأصل كما تقدم يؤكدها ولا يُناقضها وبالتالي هدف المجاز هو المشابهة والتأكيد والتوسع، وأكد في أكثر من موضع من محاضرته بأن المجاز ليس كذبا لنرد إيهام التناقض ولكن يظل الجواب الأفضل هو المقرون بمثال يوضح المقصود فالجملة الخاطئة التي تقول(الكذب صفة حسنة) هي جملة مخالفة للحقيقة المقابلة للكذب بيد أنها حقيقة في الاصطلاح البلاغي لكونها لم تستخدم عناصر المجاز التي في الاستعارة والمجاز المرسل والكنابة لذلك يجد الدكتور الهرّامة بأن هذه الحالة تعد حقيقة بلاغية وليست حقيقة خبرية، وتناول الدكتور الهرامة تاريخ المصطلحين حيث اختار اللغويون لفظ الحقيقة حتى يكون مقابلا لمصطلح المجاز، والاعتراضات التي وردت عليهما فضلا عن عذر البلاغيين في اختيار المصطلح الموهم للتناقض.