متابعات

يوميات ثورة ليبيا بذاكرة محمد المفتي

كتب: خالد المهير

غلاف كتاب ذاكرة النار

بعد كتاباته عن الهوية والطب والتاريخ الاجتماعي، رصد الكاتب والطبيب والسجين الليبي السابق محمد المفتي في كتابه “ذاكرة النار” يوميات الثورة الليبية منذ اندلاع شراراتها الأولى بمثل هذا اليوم عام 2011، وحتى مقتل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام.

ولم يتوقف المفتي في كتابه الأخير -الصادر عن دار الفرجاني- عند محطات السياسة والمعارك في مختلف الجبهات، لكنه استطاع تجميع الأخبار والتقارير والمشاهدات ومختلف الروايات عن تحولات الثورة في جميع مراحلها.

كما رصد في الكتاب -الذي جاء في 704 صفحات من القطع الكبير- إرهاصات الثورة قبيل اندلاعها في مدينة بنغازي، واستشعار نظام القذافي خطورة الموقف بعد اندلاع ثورات الربيع العربي في تونس ومصر.

وقال المفتي إنه بعد ظهر يوم 15 فبراير/شباط عام 2011، أقدمت السلطات على “خطوة غبية” تمثلت في اعتقال الناطق باسم أهالي ضحايا سجن بوسليم فتحي تربل، إلا أنه سرعان ما هبّت أسر الضحايا والمتعاطفين معهم وتجمعوا أمام مديرية الأمن على طريق الهواري مطالبين بالإفراج عنه.

وبحسب رواية المفتي، فإن تزايد عدد المتظاهرين دعا السلطات للإفراج عن تربل في العاشرة ليلا، ثم تحركت مسيرة جابت بنغازي تتبعهم سيارات رجال الأمن الداخلي واللجان الثورية.

شرارة بنغازي

ويروي المفتي أن المسيرة الغاضبة اتجهت نحو المدينة مرورا بجزيرة دوران النهر الصناعي فطريق الرويسات (شارع الفاتح) حيث التحق بهم مزيد من الشباب الذين عبروا عن غضبهم بمجموعة من الهتافات والشعارات، مما دفع رجال الأمن للتصدي لهم عند منطقة رأس اعبيدة وتقاطع الأمن الداخلي قرب ضريح عمر المختار.

ويقول إنهم بمجرد وصولهم إلى ميدان الشجرة حتى تجاوزت هتافاتهم “نقطة اللاعودة”. فقد أمست “الشعب يريد إسقاط النظام” و”لا إله إلا الله.. معمر عدو الله”، لتنتهي “الشرارة الأولى تلك الليلة بمقتل شاب على يد المجرمين والمرتزقة”.

ويشير المؤلف إلى أنه في اليوم التالي بعد دفن الشهيد سارت مظاهرة ثانية قوامها نحو 1500 شخص بهتافات أكثر تحريضا، وفي يوم الخميس تكررت المظاهرة التي عبرت شارع دبي الذي يقطنه الكاتب.

وطيلة تأليفه ليوميات الثورة، جلس المفتي مع شباب ونشطاء على موقع فيسبوك ورجال أمن في عهد القذافي وشخصيات سياسية وعسكرية وقادة للثوار.

ويرصد لحظات الثورة الأولى في مختلف المدن الليبية البيضاء وطبرق وإجدابيا والزاوية ومصراتة والزنتان وطرابلس، وكذلك مرحلة انتقال الثورة إلى الكفاح المسلح.

طرابلس

أما في طرابلس، فقد أخبر المحامي محمد سالم دراه المؤلف “أنه لم يكن يتوقع ثورة في ليبيا، حيث قال الأخير إنهم سمعوا بثورة في بنغازي، وقد كانت حالة احتقان في طرابلس، بدأ دراه اتصالاته مع زملائه القانونيين، وانتهت المشاورات إلى قرار اعتصامهم بالمحكمة”.

ويروي دراه أنه شاهد قناصة فوق أسطح محكمة طرابلس ورجال أمن، مشيرا إلى أن كثيرا من الزملاء كانوا مترددين في قرار الاعتصام، هكذا يقول دراه.

ويضيف أنه في طريق نزوله من مبنى المحكمة وجد دراه زميلا له يدعى عبد الباسط. فقال له إنه خارج لساحة الاعتصام، فرد عليه بالموافقة.

فخرجوا إلى الساحة وشرعوا في التكبير، وخرج زملاؤهم من نوافذ المحكمة وردوا عليهم بالتكبير والتهليل، وهتافاتهم “بالروح بالدم نفديك يا بنغازي”، وبعد حوالي نصف ساعة حاصرت قوات الأمن المكان، يقول دراه.

كما توقف المفتي في “ذاكرة النار” عند تصاعد وتيرة الاحتجاجات والأحداث المتسارعة والمواقف الدولية والإقليمية والعربية، وبداية تحول الثورة إلى “كر وفر”، وتأسيس السلطة الانتقالية، وتقارير الصحفيين الأجانب عن مشاهدتهم للثورة التي أطاحت بالقذافي.

تأليف الكتاب

وفي تصريح للجزيرة نت يقول المفتي، إن فكرة تأليف الكتاب جاءته في الساعات الأولى للثورة، مشيرا إلى أن مظاهرة أسر شهداء بوسليم والشباب المتعاطف معهم مرت من أمام بيته، فما كان منه إلا أن التحق بهم “وفعلا كان ذلك في ميدان الشجرة”.

وأضاف “الجو كان متوترا (..) الشباب أخذوا يطلقون هتافات مستحيلة والنظام كان يرد على الهتافات بالإعدام الفوري”.

وذكر “لم تكن هناك صحافة، والتقطت صورة بهاتفي لعلها الوحيدة لتك المظاهرة”، مضيفا أنه منذ تلك اللحظة بدأ في تسجيل الأحداث يوما بيوم.

يقول إن مواقف كثيرة هزت شعوره الإنساني من بينها مشاهد اقتحام الشباب لسور كتيبة الفضيل بوعمر، مؤكدا أنه قام بزيارة جميع المدن التي لعبت دورا أساسيا في إسقاط النظام. وأضاف أنه من باب الاستكمال “أفرد فصولا لبعضها تعرض تطور الثورة في مدينة معينة مثل مصراتة والزاوية والجبل الغربي”.

ويختم حديثه بالقول إن “الثورة كانت ملحمة، شيء أشبه بالمعجزة، لم يتوقعها أحد، لم يقدها زعيم أو تنظيم. وضد أشرس طـغاة أواخر القرن العشرين”.

ويشار إلى أن المفتي مولود في مدينة درنة عام 1943 وعاش ودرس في بنغازي، ثم تخرج من كلية الطب بجامعة ليدز البريطانية عام 1968، وتعرض للسجن كسياسي معارض لمدة 11 عاما في عهد القذافي.

المصدر: الجزيرة

مقالات ذات علاقة

عبدالله سعيد: في ليبيا لا يعرفون «النحت المعاصر»

نهلة العربي

عرض رسمي لفيلم الجلوة

المشرف العام

احتفالية إشهار صالون حنان محفوظ الثقافي

مهند سليمان

اترك تعليق