المقالة

عُشبُ الجارِ.. أشدُّ اخضرارا …!!

من أعمال التشكيلي الليبي الكيلاني عون
من أعمال التشكيلي الليبي الكيلاني عون

زمان.. كان الجراد.. يعرف بدقة متناهية أنه إذا اقترب من أرضك القاحلة فسينتهي به الأمر إلى معدتك الخاوية…!!

لهذا.. كان الجرادُ دائماً بعيداً عنك وعن أرضك التي تعرضت هي الأخرى للجوع والعطش وبعض الذي خلَّفته الحرب الكونية الثانية، كما تعرضت قبلها للعديد من الحروب والاعتداءات الاستعمارية المفجعة…!!

كان الجراد قد حفظ جملتك الشهيرة التي تقول: “حلالك ملالك.. سكّينك في نارك” عن ظهر قلب.. ولقد أورثها لجنسه المدمر.. الذي انقطع منذ زمن عن زيارتك وزيارة أرضك.. ليس لأن أرضك كانت أيام زمان فقيرة وقاحلة.. بل لأنه كان يعرف نهائية مفزعة …!!

وفيما بعد..

تغير كلُّ شيء..

وعلى نحو خاص..

عندما اكتشفت أنك تمشي فوق نهر عظيم.. وأن تحت قدميك ثروات هائلة وأنك صرت تملك كل شيء.. بل صرت السيد الذي لا يرفض له قرار …!!

ولقد تغيرت حياتك بكامل حذافيرها.. وتغيرت معها مفاهيمك وثقافتك ونظرتك للحياة.. ولقد تطورت أدواتك.. فصرت تملك آخر ما أنتجته مصانع السيارات في اليابان وكوريا.. والمانيا.. بدل دراجة “الأولمو” التي كانت حلماً من أحلامك القديمة …!!

واستبدلت حجرتك الموبوءة بحشرات “البق” التي كانت تعيش على دمك وأنفاسك بعمارة ذات عدة طوابق.. رغم أن أسرتك لا يزيد عدد أفرادها عن عدد أصابع اليد الواحدة …!!

صرت ترتدى أفخر الألبسة.. وغرست طبقاً فضائياً فوق قصرك المُحَــلَّى بالحجر الفرعوني لتتمكن من الفرجة على بنات “الفضائيات” خلسة ومن وراء ظهر زوجتك الفاضلة…!!

وصار لك هاتف نقال.. ونبتت في عقلك أحلام كثيرة من بينها الفوز بزوجة جارك التي تشبه إلى حد ما بنات “الخيّالة” …!!

وعدا بعض أحلامك السرية الكريهة…!!

فإن كلَّ ما طرأ على حياتك رائعٌ وجميل.. كل التطور الذي طرأ.. في منتهى الروعة والجمال يضطرنا لحمد الله وشكره على كل هذه النعم…!!

لكن هذا كله..

لا يمنع من القول بأن بعض تطوراتك كانت في الاتجاه الخاطئ كأحلامك السرية مثلاً …!!

بعض تطوراتك.. إذا شئت أن تسميها كذلك.. لا علاقة لها بإنسانيتك القديمة المبهرة.. وبأخلاقك القديمة الرائعة الجودة.. وبتواضعك وحبك لفعل الخير ولقيمك الدينية الخالدة …!!

لقد صرت بكامل الصراحة.. نهماً.. تريد كل شيء.. ولا تريد لأحد أن ينال شيئا معك …!!

ولم تعد تتعامل بشرف كما كنت.. رغم الخير الذي يكفي الجميع..

رغم هذا..

وُلد فيك التاجر الجشع الذي لا يخشى من بيع السم لإخوته وأهله.. وولد فيك السمسار الخبيث.. والمقامر المجنون والراشي والمرتشي والطامع والذئب وصائد الثروات والبنات حتى وإن كنَّ من ذوات القربى …!!

صار لك أكثر من وجه …!!

كما صار مثلك الأعلى الذي لا تؤمن بغيره هو: “عُشبُ الجارِ.. أشدُّ اخضرارا.. “ ؟!

فهل تركن إلى نفسك لمحاسبتها بمنتهى الشجاعة قبل أن تفاجئك مشيئة الله والثوار …؟!

هذا ما نتمناه من أعماق قلوبنا …!!

وقولوا يا رب …!!


نشر هذا المقال بصحيفة “الشط” بتاريخ 8/12/1428 (1998)

مقالات ذات علاقة

عبد المولى البغدادي ظاهرة شعرية واجتماعية لن تتكرر!!!

رضا محمد جبران

شعوب مكتئبة

جمال الزائدي

أربعةٌ وربع

محمد دربي

اترك تعليق