المقالة

أربعةٌ وربع

من أعمال التشكيلية شفاء سالم

 

(الأولى) مُتفقٌ عليه:

قد لا يكون صحيحاً القول: إنّ نحن كليبين لا نحتاج إلى أن نتفق على كلّ شيء نختلف فيه بالأشباه والنظائر أو بكشف الإختلاف وبالذات في السياسة وربما في كلّ اتجاه.. فهل من المؤكد أننا لا نستطيع أن نتفق ونجهل أنّ الوئام قرين الخلاف؟

نتفق أو لا نتفق أمرٌ عادي متفقٌ عليه وهوأمرٌ ضاهر لا يقهره الخلاف، وقد يصير مأزقاً يفضي بالبلد إلى كوارث وكأن شيئاً لم يكن أمام فكرة الواجب الثقافي الذي يتعامل مع المختلف في أغلب الأحوال، غير أنّ – من جهة أخرى-  ذلك لا يمنع من أن نواجه واقع ليبيا كما هو الآن منذ ذاك الماضي في مرآة التاريخ الذي عاشه الكثير وساهم في بنائه أو التأثير فيه بالصواب أو بالخطأ ونواجه الرغبة في أنْ يحيا خرافياً. وثمّ على نحو آخر على هذا الحاضر السفر من فروض الماضي إلى مواجهة المستقبل معرفياً وعملياً تصورً أكثر إزدهاراً وتطوراً لشعب في مجتمع يُسهل فيه أنْ تتعدد الثقافات والمذاهب والرؤى على أنْ نقف من دون انكار للمأزق الليبي  وبمعزلٍ عن الصدام الذي أسرفنا فيه، لدراسة هذه الهوة والفراغ الكامن بين ذلك الماضي والمستقبل الآتي.

كيف تُجتاز هذه الهوة خشية النسيان والغموض والصدع؟ 

 لمواجهة هذه الهوة قد نحتاج للسعي المتواصل عقلانياً لتقريب هذا الذي نراه ونعتقد فيه إلى ما يراه الآخرون ويعتقدون فيه لفهم أسباب ومصادر هذه الهوة وعيوبها كطريق عملي لبناء دولة عصرية مزدهرة ومتطورة.

(الثانية) المجتمع ذاته:

ليبيا بلدٌ يضرب في أعماق التاريخ والليبيون يملكونه كما كان القدماء يملكونه غير أنّ ليس في مقدور أحدٍ أن يقوم بتمثيل هذا البلد أو أن يحلّ محل المجتمع أو الشعب أو يتحدث بإسمه بل وليس بمقدور من أتيحت له فرصة احتلال مناصب رفيعة في هرم السلطة واعتبرها غنيمة كبرى  دون أنْ يُثمرغلة للبلد أنْ يظنّ أنّه أو أنّها في هذا الخضم التعيس هكذا تُدار المجتمعات، كما كان الحال في الحقب التاريخية الليبية السابقة، فهذه المظاهر جميعا لا تبني “دولة” لإنها من شؤون المناوراة والإستخفاف بعقول الناس؛ إلا أنّ من جهة أخرى وبوجه عام  المجتمع وفي جداله مع السلطة لا يثبت على حاله فهو متغير وقد يصعب تحديد إلى أين يجدف عبر هذه الغربة التي يعيشها والتي لا يمكن تجاهلها، فحتى يستطيع إحياء وإعادة بناء ذاته من جديد والإستدلال بالمحسوس وما ينطوي عليه من نتائج فلا مفرّ له إلا من أن يمتلك القدرة على تأسيس المؤسسات الخدمية والإدارية والأمنية وتنمية الكوادر الإنسانية القادرة على احداث التغيير والتجديد، أو- إنْ شاء – أنْ يظل مغلوباً على أمره وما ينطوي عليه ذلك من تعرض لضياع هذا البلد.

(الثالثة) الفرد ذاته:

في بلد تصطرع فيه القوى، ويشتبه فيه أمر مستقبله، ويزيد الحاح التخريب والهلكة فيه فليس بوسع فردٍ أو نظرية أو قبيلةٍ أو حزبٍ وضع نظريات أوتخطيط لإعادة بناء المجتمع أو حتى الشروع في بناء الدولة وإن جمعت هذه الظواهر لنفسها أسباب القوة والقدرة، بل ولا قدرة لها على أن ترسم للفرد كيف يسلك في حياته اليومية بالقفز على تجربته الإنسانية الفردية كأنْ لا قيمة لها وتجاهل أنها قد تكون قادرة على خلق رؤى جديديد مختلفة ومغايرة لما يظهر عليه الواقع بل والتأثير على الآخرين وبعث روح الحماس في الجميع لبناء هذا البلد والخروج به من أزمته الراهنة. فالإهتمام بالفرد باب من أبواب مشروعات تذوق الحرية واليقظة المستمرة والتسامح وامتلاك أدوات معرفية جديدة للتعامل مع الواقع.

(الرابعة) الناس:

ليبيا بلدٌ محسوس وملموس ومشهود وليس افهوماً مجرداً معلق في الهواء الطلق، فهذا البلد وكينونته وكيانه هو الناس بشحمهم ولحمهم وعقولهم وأهله بمختلف ثقافاتهم وبمعزل عن التسلط ؛ ليس ثمّة بلد أو وطن من دون الناس ولا هوية وطنية حالمة من دون هوية انسانية الناس ذاتها. فالحياة الليبية مضطربة تحتاج إلى معالجة وتنقية  وليس أمام الناس إلا الإطلاع على الواقع الليبي بشكل مختلف ومغاير لما ينظر اليه الساسة الليبين والمثقفين والمؤرخين وأهل الخبرات ولكن بالتعاون والجدل معهم رغم التغاير لوضع رؤية مستقبلية على نحو أفضل وأكثر تقدماً فهذا التعاون لا غنى لهذا البلد عنه ولا يقوم بمعزل عن أي فكرة حيوية أوسياسية تصدر عنهم. اما عملية التجديد ذاتها فهي بحاجة إلى النوايا الحسنة القاصدة والجادة فضلاً عن المعرفة والخبرة والصنع الموحد والتفوق على الشقاق والتشتت. ولتتغيير المجتمع بهدف إعادة البناء بنية المجتمع وأسسه التحتية؛ ليس أمام الناس إلا الصحوة بعد الإغفاء القهري، وتحرير الوعي من الغفلة قرينة العجز والخرافة والوهم وذلك بتعريف المجتمع، بمأمن من أيّ توجه عقيم جدف بالبلدعلى الصورة التي هي عليه الآن بكل متناقضاته وتشوهاته حتى يمكن إعادة انتاجه وتشكيل الواقع عصرياً بهدف بناء ” الدولة” وسط كل الشواغل ورغم كل العقبات.

الربع:

قال أحد مفكري الأردن الكبار” تهمة الفساد في الدول المتخلفة لها علاقة بالمنتصر والمهزوم على مسرح السلطة، ولا علاقة لها بالقضاء والمحاكم والقانون. الفساد في الدول المتخلفة تهمة سياسية بحتة. إذ ينقلب الضابط الإنقلابي على رموز العهد القديم لأنهم احتكروا الفساد لإنفسهم ولم يشركوه بحصة.. لا لأنّه ضد الفساد”.

مقالات ذات علاقة

كيف تصبح أديباً في أسرع وقت

مفتاح العلواني

ليبيا… صحافة وصحفيون

المهدي يوسف كاجيجي

الركود الثقافي في مجتمعاتنا العربية

سعاد الورفلي

اترك تعليق