قلت في نفسي: لماذا يجلس ذلك الجمهور الغفير من المشجعين في المقهى؟ لماذا اختاروا مقهى الحرية؟ هل أحسوا انهم فقدوا حريتهم ولذلك جاؤوا حتى يستعيدوا ما فقدوه من حنان ابوي؟ المقهى يعج بالكراسي؛ يزدحم بالأفكار؟ يكتنز بالأمنيات؛ دخان السجائر خلق طبقات من السحب؛ اخترق السحاب الحدود المسموح بها بين الأفراد لا يمكن أن يتجولوا بحرية مطلقة في ظل إجراءات صارمة فرضها صاحب المقهى؛ لقد فرض على متابعي المباراة من خلال التلفاز نظاما قمعيا؛ اقصى اجراء اتخذه ضدنا ممنوع الجولان بين الكراسي حتى انتهاء اجل المباراة الحاسمة؛ لقد كانت طريقته في فرض النظام بالقوة مهينة جدا؛ رفضها بعض الافراد بشدة واعتبروها جزءا من النظام البائد الذي سلب حرياتهم؛ غير ان البعض سلم بالأمر الواقع واعتبر ان تلك الاجراءات ضرورية حتى يتحقق السلام فوق الارض؛ يضم المقهى عدة شرائح اجتماعية لا يجمع بينهم الا حب الوطن او الدفاع عنه؛ اعترضتني رائحة الشاي المعطر بالزعتر والاكليل سرقت مني عدة افكار طالما دافعت عنها بحماس كبير؛ ترك مذاق الشاي في لساني لذة مفقودة وسط نظام امني صارم لا يسمح لك بتحقيق اللذة الا في مكانك؛ لا يسمح لك بالحركة الا اذا تمردت عليه او دخلت عليه بثورة مضادة؛ كل الانظمة القمعية اسقطتها ثورات شعبية؛ رفضت جلوس الحكام العرب على الكراسي الى الابد؛ منها ثورة الياسمين؛ ترك بائع الورد وهو يترنم بالأشعار في الهواء المزدحم بالأفكار شميما حلوا؛ ترك بائع السجائر افكاري داخل افكاري تحترق كما تحترق تلك السيجارة الاخيرة بين اصابعي وقد فقدت الثقة في اصابعي؛ كم هددتها بالطلاق ثم تراجعت عن قراري وسط قراري الاخير: احبك
شدني ان المكان لا يسمح لك بالجلوس بحرية مطلقة؛ نعم تدريجيا فقدت الكرسي كما فقدت حريتي في الجلوس او الدفاع عن ذلك الكرسي؛ لقد تجمعت الجماهير الغفيرة على قرار واحد؛ لابد ان يحقق المنتخب الوطني الانتصار؛ ارتفعت الاصوات: لا نريد ان نرفع الا أعلام الانتصار؛ أحدهم صعد فوق الكرسي؛ والاخر أراد أن يكسره لولا تدخل طرف محايد؛ قال: ما دخل الكرسي في المباراة؟ يجب ان يظل الكرسي لاعبا محايدا؛ قاطعه رجل اخر بحدة؛ انا العن المناصب والكراسي؛ كل المباريات والمعارك التي خسرناها كانت بسبب الصراع على الكراسي؛ سئمنا الهزائم التي عاشتها الأندية العربية؛ يجب ان نتحرر من التفكير في الكراسي؛ اعجبني اختزاله الازمة في كرسي واحد؛ هو يقصد بالطبع نظام حكم واحد؛ سئمنا الخروج من الدور الأول في تلك البطولات المدعومة بتمويل اجنبي؛ اعجبني حضور الجمهور الغفير في تلك المباراة المزعومة؛ جاؤوا من كل حدب وصوب حتى يتابعوا التصفيات الاخيرة؛ حتى يتابعوا المباراة الاخيرة؛ سئمت الشعوب الهزائم العربية المتلاحقة في الحروب العربية ضد اسرائيل؛ ارادوا ان يعيشوا نشوة الانتصار المزعوم في تلك البطولة المزعومة؛ ارادوا ممارسة حقوقهم الافتراضية في الواقع الافتراضي؛ اي في الواقع المتخيل؛ نحن لا نملك الا ان نتخيل اننا انتصرنا تعويضا عن احساسنا بالخسائر المتكررة؛ يعيش الجمهور في ذلك المقهى اجواء كبيرة من الترقب والانتظار؛ لا يقطع صياحهم و ضجيجهم الا ذلك النادل الظريف يوزع اعلام المنتخب بأسعار رمزية؛ ارتدى زي المنتخب؛ كما وضع فوق طربوشه الأحمر شعار المنتخب؛ احيانا يقطع تلك الفوضى العارمة بأغنية من التراث القديم بطلها العندليب الاسمر عبد الحليم حافظ” اشتقت اليك علمني ان لا اشتاق” لقد اشتاق الجمهور الى ذلك المجد الغنائي القديم؛ كم انتصرنا؟ كم انهزمنا؟ لم تبق الا الاغنيات؛ كم انستنا ام كلثوم خسائرنا المتلاحقة في الجبهة ضد إسرائيل؛ العدو اللدود؛ نحن متعطشون جدا الى نتيجة باهرة؛ استغربت من حماسهم واصرارهم على تحقيق الفوز؛ ما يهمني عودة الفريق الى وطني منتصرا؛ لم يعد الوطن العربي من أدناه الى أقصاه يحتمل هزيمة اخرى؛ لم يعد شعبي يحتمل مزيدا من الخيبات؛ على فريقي ان يستعمل كل الاسلحة …الحرب خدعة…. الحرب سجال كر وفر…اعتقد ان الانتصار المطلوب في تلك المباراة هو اكبر خدعة وراء خدعة ينتظرها ذلك الجمهور الذي فقد كل الأمل في الانتصار على أزماته الاجتماعية و السياسية؛ المهم الخروج بنتيجة مشرفة حتى لو اقتضى ذلك استعمال المنشطات؛ المهم في تلك الحرب الباردة بين الفريقين المتنافسين على الفوز بالبطولة العربية بين المنتخبات تحقيق الانتصار حتى لو اقتضى ذلك استعمال أسلحة محرمة دوليا؛ لا شعار غير الفوز…هذا ما اتفق عليه الجميع او راهنوا عليه؛ نحن بحاجة الى أن نشعر ذات مرة اننا انتصرنا بجدارة على عدو هزمنا في الميدان الحقيقي؛ فوق الارض العربية عدة مرات؛ كم انسحبنا من جبهات القتال؟ كم رفعنا السلاح؟ كم اكتشفنا أكثر من خيانة؟ أكثر من هزيمة؟؛ اعتقد ان البحث عن ذلك الانتصار المزعوم في مباراة كرة قدم أكبر دليل على مرارة الهزائم التي تكبدتها الشعوب العربية في تاريخها المعاصر؛ تعويض الهزيمة في الحرب بالانتصار المفترض في تلك المباراة جعلني اشعر بالإهانة فوق ارضي؛ لم اعد احتمل كمواطن عربي مزيدا من الاهانات.
احدهم قال قبل انطلاق المباراة: اذا انهزمنا انا مضطر ان اتخيل اننا انتصرنا…حز ذلك في نفسي كثيرا؛ شعرت ان الذات العربية تعاني انجراحا في السلوك؛ كما قال باحث في علم الاجتماع؛ لا اريد الايهام بالواقعية في اللعب؛ اريد خيالا يجذرنا في الواقع؛ المهم ان نكسب المباراة؛ قلت له: المهم ان نكسب القضية؛ لم ينتبه الى ان كلمة “قضية” اكبر بكثير من ان نختزلها في مباراة بين منتخبين؛ لم يفهم ان القضية عويصة جدا لا يمكن ان تحل بمجرد تسجيل هدف او هدفين في مباراة بطولة؛ مفهوم البطولة اعمق من ان نختزله في شباك المرمى؛ مفهوم البطولة يظهر في الانتصار على العدو الحقيقي؛ اعجبني ان تلك المباراة المصيرية بالنسبة للطرفين جعلت الجمهور العربي يتحد على نفس الكلمة؛ اعجبني شعارهم الموحد ضد خصمهم الموحد؛ حز في نفسي ان الشعوب العربية لا تتفق في تحديد خصمها مباشرة الا في المباريات الرياضية؛ استغربت ان تلك الجماهير الصاخبة في تلك المباراة لا همّ لها الا تحقيق مزيد من الأهداف؛ فكرت انهم في غياب الأهداف يبحثون عن تحديد الاهداف؛ تساءلت بحرارة هل حققنا اهدافنا العربية؟؛ هل فكرنا في تحرير القدس؟ هل فكرنا في توحيد الغذاء؟ هل استعدنا منسوبنا من انهار الماء؟ الم يقل زعيم عربي” لا حرية لشعب يأكل من وراء البحر”؟ هل فكرنا لماذا تزايد عدد المهاجرين من شبابنا؟ لماذا قرروا ان يلقوا بأنفسهم في البحر؟ لماذا هربوا الى بلاد بعيدة؟ لماذا انتشرت على حدودنا الممتدة مع ايطاليا الهجرة السرية؟ لماذا فكر ذلك الطفل رغم حداثة سنه في الهجرة؟ لماذا حدد ذلك الهدف بالذات ولم يفكر في تحقيق أهداف اخرى؟ كم غرق من قارب هجرة؟ حتى البحر رفض تحقيق أهدافه البعيدة؛ أكثرهم مات غرقا قبل ان يصل الى تحقيق اهدافه؛ لماذا قرر ذلك الطفل ركوب البحر سباحة؟ لماذا رفضوا ان يعطوه جواز سفر يسمح له بحضور مباراة المنتخب؟ الجميع ارادوا الخروج عن اصلهم العربي؛ غيروا ملابسهم؛ تخلوا عن لغتهم؛ غيروا حلاقة شعرهم….الجميع اشعلوا الشماريخ في الميدان؛ احدهم رايته يرتدي قناعا مخيفا؛ اما الاخر فقد اختار ان يغني اغنيات صاخبة لا تحمل كلماتها اي معنى؛ هي اغنية غربية لا علاقة لها بالواقع العربي؛ ظل يترنم بها طويلا تعبيرا عن بهجة غريبة الاطوار؛ في مباراة عربية وسط ميدان عربي غريب الاطوار؛ بعد المباراة الجميع فكروا في الهروب من أرضهم العربية؛ لم يفكر احدهم في العودة من ذلك البحر العميق حتى يساهم في تشجيع منتخبه الوطني؛ احدهم قال سئمت الاوطان؛ سئمت الافكار؛ سئمت الاحلام؛ نحن لم نتفق يوما على مواجهة الخصم الحقيقي؛ كلهم يحملون نفس الاندفاع؛ نفس الانفعال؛ احيانا تتفق الافكار؛ لماذا يتفق الأفراد على خوض مباراة كرة قدم ولا تتفق الاوطان على خوض معركة حتمية امام عدو حتمي دخل الى ارضنا العربية بقوة السلاح؟ من روج فكرة ان تلك المباراة مصيرية وحاسمة؟ من قال ان نتيجتها حاسمة بها يتحدد مصير المنتخب؟ هل تساعد نتيجة تلك المباراة في تحديد مصير شعب بأكمله سئم العيش في تلك الاوطان؟ هل يتحدد بها مصير ذلك المهاجر؟ هل يتحدد بها مصير غذائنا ودوائنا وامننا؟ لماذا نتجاهل مباراتنا الحاسمة مع العدو الحاسم الذي احتل البشر والشجر والحجر؟ من يحدد مصيرنا؟ هل يستطيع المنتخب من اللاعبين في تلك المباراة تقرير مصيرنا؟ هل يحدد الفوز بالمباراة مصيرنا؟ كان يمكن ان نسترجع حقوقنا التاريخية في سيادتنا على الاندلس؟ الم تبق الارض مغتصبة لان فريقنا الوطني اضاع أكثر من فرصة؛ نحن ضيعنا أكثر من فرصة في تحقيق وحدتنا؛ أصبح شعار الوحدة العربية من قصص ألف ليلة وليلة؛ ماتت شهرزاد ولم تسترجع حقوقها؛ قتلها شهريار وهي تحكي؛ الم تكن تلك المباراة الحاسمة وسط تصفيات حاسمة مليئة بالكرات الضائعة؟ كم اضاع اللاعب من فرصة تسجيل؟ كم وجد نفسه مباشرة امام المرمى؟؛ لماذا لم يسجل الهدف مباشرة؟ لماذا لم يستعمل الضربة القاضية؟ كم أخفق في تصويباته؟ كم أخفق المنتخب في اسعاد الشعب العربي من المحيط الى الخليج؟ كم جرب المدرب من خطة؟ كل الخطط كانت فاشلة في تلك المباراة الفاشلة؛ فشلنا لأننا لن نحدد الهدف بدقة؛ نحن امام عدة أهداف ولا هدف يمكن ان يدل على نجاح خطة المدرب في تحقيق الهدف المنشود؛ حتى تعويض اللاعبين في آخر المباراة لم يساهم في ايجاد مخرج من الازمة؛ ضاعف الجمهور من الاحتجاج؛ ازداد التململ والتنديد؛ هل نددتم بالعدو الذي دخل الى ارضكم؟ كم جعلنا المدرب الأجنبي نعيش على احلام وسط احلام لم تتحقق؟ كم اوهمنا اننا من أكبر الاندية؟ كم رفض الحكم الأجنبي من هدف قال انه في حكم التسلل؟ كم أحس الجمهور بأن الحكم كان منحازا الى فريق على حساب فريق اخر؟ من هي الجهة التي يمكن ان تحاسب ذلك الحكم على اخطائه؟ لماذا نحاسب الحكم الأجنبي ولا نحاسب الحكم العربي؟ من فرض علينا ذلك المدرب؟ من فرض علينا ذلك التحكيم؟ نحن أصحاب الارض؛ القرار قرارنا؛ الكرة كرتنا؛ الثروة ثروتنا؛ اين الشعب العربي؟ من روّج فكرة المباريات بين الاندية العربية؟ أليست تلك افكار استعمارية؛ الا تجعلنا المباراة نتجاهل مشاكلنا الحقيقية كما نتجاهل ايضا عدونا الحقيقي؛ نحن لم ننتصر يوما على عدونا الصهيوني؟ لماذا ندعي اننا انتصرنا في هذه المباراة؟ لماذا نوهم الشعوب العربية بانتصارات وهمية لا اساس لها من الصحة؟ من روج فكرة فريق منتصر وفريق منهزم؟ أليس هو احساسنا بالإخفاق في تحقيق الانتصار الفعلي على العدو الفعلي؟ العدو لا يوجد خارج ارضنا بل وسط ارضنا؛ هو يندس بين الفريقين المتنافسين؛ يحرض على مشاعر الكراهية يننا؛ لا يهمه قدرتنا على الابداع؛ ما يهمه قدرتنا على الاتباع؛ رسخ في اذهاننا فكرة النموذج الغربي المثال؛ حز في نفسي ان كل فريق يحمل علما يختلف عن علم الفريق الاخر؛ إذا كان عدونا واحدا فلماذا لا نرفع فوق ارضنا علما واحدا؟ عكست لي بداية المباراة كل مظاهر الاختلاف والانشقاق بيننا؛ زادت النتيجة في تسميم الاوضاع المتأزمة بيننا؛ ضاعفت تلك النتيجة المخيبة من امال الشعبين في الوحدة؛ عمقت نتيجة المباراة واحد مقابل صفر الانقسام بين الشعبين؛ عمقت الحقد؛ أصبح الفريق المنهزم يفكر في الثأر لنفسه؛ لم يفكر ان الروح الرياضية هي أكبر انتصار يمكن ان يحققه شعب عربي واحد؟ اندفع الفريقان او البلدان الى النزاع؛ كلاهما يعتبر نفسه صاحب الاولوية في الفوز بالمباراة؛ كلاهما اعتقد بأن الحكم منحاز؛ لم يكن عادلا؛ هل تستطيع محكمة العدل الدولية فك مثل هذا النزاع؛ كلاهما يمتلك من الادلة ما به يدين الطرف الاخر؛ لم يعترف اي طرف بأنه انهزم؛ تطور الخلاف الى نزاع مسلح بين بلدين متجاورين ومتحاورين؛ اندفع كلاهما الى اعلان الحرب دفاعا عن ذلك العلم الكروي الوهمي.
ينبذ الميثاق الرياضي العنف؛ يدعو الى تكريس الروح الرياضية؛ بدت لي تلك الشعارات وهمية وانا أشاهد مظاهر الفرقة بين بلدين متجاورين متحاربين؛ هل يمكن ان تندلع الحرب بيننا من اجل تصفيات وهمية في مباريات وهمية لا تحل مشاكلنا العالقة في مجلس الامن؟ هل نملك مصيرا مشتركا حتى نفكر في خوض مباراة مشتركة؟ الا نفترق بعد كل مباراة؟ الا نتفق دوما على الافتراق الحتمي؟ ما جدوى مباراة تخلق جمهورا مصفقا وجمهورا ساخطا؛ الم ينجح البلد الأجنبي المنظم لتلك التصفيات من اجل الفوز بالبطولة في تعميق الاختلاف بيننا؟ الم ينجح في تقسيمنا الى سنة وشيعة؟ الم ينجح في تقسيمنا جغرافيا؟ الم ينجح في تقسيمنا الى قوميات؟ الم ينجح في خلق عدة فرق ومذاهب؟ الم تكن تلك المباريات التي خاضتها الأندية العربية ضد بعضها البعض هي مباريات وهمية ضد عدو وهمي؟ الا تخلق تلك المباريات مشاعر البغض بين الشعوب العربية؟ الا تساعد تلك المباريات على خلق مشاعر الفتنة بيننا؟ انا لست ضد الأنشطة الرياضية لكن اشعر بأن تلك المباريات تساهم في خلق الانقسام بين شعوب تعيش على أرض واحدة؛ السنا في الأصل اخوة؟ لماذا نتقاتل من اجل مباراة؟ لماذا نشتم بعضنا البعض؛ المنتصر الحقيقي في تلك المباريات الوهمية هو العدو الذي نجح في خلق الانشقاق بيننا؛ هو يمول تلك المباريات؛ يساعد على انتشار شعارات العداوة بيننا؛ لا همّ له من تلك البطولات العربية الزائفة في عصر لم تعد فيه هناك بطولات او ابطال الا التحريض على الفرقة بين الاخوة؛ اين البطولات العربية على الارض؟ أين البطل العربي؟ الم يوضع الاسد في قفص وأعدم امام شعبه؟ الم تكن “مباراة العيد” اخر مباراة عربية يفوز فيها زعيم عربي؛ قال: عاشت القدس؟؛ من ضحك على مشاعرنا حين ادعى ان جزءا من مداخيل تلك المباريات تذهب إلى أطفال غزة؟ الم تكن تلك شعارات زائفة في عصر عربي زائف؛ انهارات فيه كل الانظمة؛ انهارت فيه كل البطولات؟ الم نخسر في” ام المعارك” معركة الكاس؟ لماذا نخوض معركة البطولة؟ هل كان الحكام في كل المباريات محايدين؟ لماذا كنا نستورد في بعض المباريات العربية حكاما من أرض اجنبية محايدة؟ هل فقدنا الثقة في حكامنا؟ أليس عارا علينا ان نجلب حكاما اجانب حتى يفصلوا بيننا؟ لماذا فقدنا الثقة في بعضنا؟ هل نحن بحاجة حتى في مباراة كرة قدم الى حاكم أجنبي؟ أليس ذلك دليلا على ان الاستعمار البغيض قد توسع في ارضنا؟؛ احتل حتى ملاعبنا الرياضية؛ نعم اوهمنا انه محايد ولكنه في الواقع محتال وماكر؛ لا همّ له الا ان يخلق الفتنة بين الفريقين؛ لا همّ له الا ان يدفع البلدين الى الصراع من اجل حدود وهمية؛ او انتصارات لا معنى لها؛ هل بلغ بنا العجز حتى صرنا نستعير من الخارج حكاما حتى يحكموا بيننا؟ نعم صاروا يحكمون فوق ارضنا؟ لم يكن الجمهور راضيا على أداء الحكام؛ البعض اتهمهم بالرشوة؛ بالخيانة؛ نحن نملك نفس التاريخ ونفس العدو؛ مباراتنا واحدة؛ يجب ان نفوز على الفريق الأجنبي الذي اغتصب ارضنا وعرضنا؛ مباراة كرة القدم لا معنى لها إذا لم تجعلنا ننتصر على عدونا الحقيقي فوق الارض؟ من حدد المباراة؟ من حدد المنتخبين؟ من حدد طريقة الحكام في تسيير المباراة؟ من أعطاه الحق بإقصاء اللاعب؟ لماذا استعمل الحكم الاجنبي الورقة الحمراء أكثر من مرة؟ هل سيكون نزيها وهو يحكم بيننا بالعدل؟ الا تخلق الهزيمة في كل معركة عداوات تاريخية بين الشعوب؟
في ذلك المقهى الضيق تخاصم عدة أصدقاء في تحليل المباراة؛ لماذا كانوا يتابعون مباراة كرة القدم بانتباه؟ الجميع منشغلون بنتيجة المباراة؛ الجميع فقدوا اعصابهم؛ شاركوا في اللعب بحواسهم؛ شجعوا ما شجعوا؛ شتموا ما شتموا…لم افهم سبب ذلك الانفعال؛ لم افهم سبب الاندفاع…لم افهم سبب التراجع الى الدفاع؟ أحدهم صاح صيحة فزع؛ هدد بأنه سيدخل الى الميدان كي يسجل هدفا؛ فكرت هل كان فعلا يصيح من اجل المباراة؟ هل كان يبحث عن النتيجة؟ اعتقد انه كان يبحث عن حقوق ضائعة؛ اعتقد انه احس بظلم ما فخرج منفعلا يطالب بحقوقه؛ لم يكن الانفعال عاديا؛ شعرت انه يحمل في داخله عدة افكار فلسفية؛ هو صاحب قضية؛ لم يجد من يسمع صوته او افكاره او مشاعره ولذلك دخل الى تلك المباراة امام الجمهور حتى يعرض قضيته؛ هو لا يدافع عن نفسه؛ هو لا يهاجم نيابة عن غيره؛ هو مندهش لا يعرف لماذا يصيح بأعلى صوته: نريد تحقيق نتيجة ساحقة؛ اظن ان احساسا داخليا بالفقر دفعه ان يستغل تلك المباراة حتى يطالب بتحقيق امنياته البسيطة؛ هو يبحث عن الخبز؛ لم يحقق الخبز؛ هو يبحث عن الحرية؛ لم يحقق الحرية؛ دخل الى ذلك الجمهور الغفير حتى يندد بتردي الاوضاع؛ بضياع الحريات؛ حرية التظاهر ممنوعة؛ لذلك استغل تلك المباراة حتى يتسلل من وراء تلك الشعارات المرفوعة ويعبر عن افكاره؛ لم يجد فرصة اخرى غير تلك المباراة الاخيرة.