الزهراء البُقار
يأخذنا الكاتب الفرنسي إريك إيمانويل شميدت، في روايته أوسكار والسيدة الوردية إلى رحلة بحث قصيرة يحاول فيها إيجاد معنى مبسط للحياة، بصحبة الطفل المصاب بالسرطان “أوسكار”، والممرضة التي يدعوها “بالسيدة الوردية”. يشرع في رحلته نوافذ التأمل ليحرك عقل القارئ، ويعيد نظرته للحياة، في رحلة ملغمة بالأسئلة الوجودية والتي يخرج قراؤه منها أحياء بإذن “إيمانويل”.
أوسكار ذو العشرة أعوام يصبح أكثر نضجا وعمرا عندما تحاصره سهام الشفقة، واستياء الأطباء من أنفسهم؛ نتيجة عجزهم عن علاج مرضه، تتغير معاملتهم مع أوسكار الذي اقترب من الموت، يتغير الجميع بالإضافة إلى والديه اللذين ارهبهما طفلهم الوحيد وهو يصارع الموت، أما “السيدة الوردية” فتتعامل مع حالته بشكل مختلف وشديد الذكاء.
لم لا تكتب إلى الله يا أوسكار؟
جميع فصول الرواية هي مجموعة من الرسائل التي يكتبها أوسكار لله الذي لم يؤمن به يوما ولم يصدقه، آخذا العبرة من “بابا نويل” الذي انتظره طويلا ولم يأتي، شرع في كتابة رسالته الأولى استجابة لطلب “السيدة الوردية” التي لم يرعبها قرب موت الطفل، أخذت بيد الطفل إيمانا بأن الدين هو المسؤول الأول عن إيجاد معنى لحياة الناس حتى نستريح منها.
“أوسكار” عالق في أسئلة على شدة بساطتها معقدة، يصارح خالقه، يسأله، يطلب منه شيئا، ثم يطلب أكثر، يشك في قدراته، لكنه يمضي في الحديث معه والسؤال على أية حال، طالما أن صحبته غير معقدة، ولا يتضايق منه بعد ما تركه الجميع، وهكذا، عبر حديث الطفل العفوي مع خالقه ربما يسعى “إيمانويل” أن يهدي التائهين والمشككين في وجود الله، ويستدل بوجوده.
بالنسبة لـ “إيمانويل” فيوجد سلاحين رئيسيين لمقاومة الحياة، أولهما وجداني والمتمثل في البحث عن الله ونيل محبته ورضاه، وثانيهما عقلي، ضاربا الأمثلة بذكاء “السيدة الوردية” عندما كانت مصارعة، وقدرتها على التغلب على أشرس الخصوم وأقواهم بالحيل البسيطة، كما روتها للطفل ليقتدي بها.
فعندما يتصيدنا البشر ونقع في فخخاهم نتسلح بالعقل، أما الله فهو القوة التي نصارع بها “السرطان” وجميع أمراضنا الجسدية والنفسية منها.
حرص الكاتب في رحلته القصيرة أن يخاطب القارئ بلغة بسيطة جدا، والتي -قد- يكون تعمد في نهج أسلوبها السلس والواضح، يقينا بأنها الطريقة الأفضل لجعل عقول الصغار أكثر نضجا فيما يخص (الحياة والموت والله) ويحييها قبل أن تتآكل أفكارهم وتتصدأ، كما جعلنا -نحن الكبار- نصطدم بأسئلتهم بدلا من أن نتجاهلها.
في الرواية كل شيء عابر مرحلة المراهقة، الشباب، الشيخوخة، المرض، الثابت فيها في هو الحب فقط، فالفكرة الجوهرية يستخلصها “شميدت” في كوننا نعيش على مدى إيماننا بالله وبساطة تفكيرنا نحو الحياة، والتسليم بنهايتها مدامت الأمر بيد ربنا حبيبنا الأول.