رمضان كرنفوده
يرتفع أذان صلاة الفجر ويدوي في البلاد القديمة ويصدح في أرجائها دون مكبر صوت، سكان البلاد منهم من كان مستيقظاً ومستعدا للصلاة وآخرين أيقظهم الأذان.
في دروب البلاد التقوا وحيوا بعضهم وما هي الا لحظات حتى وصلوا إلى المسجد العتيق، وضع كل واحد منهم متاعه أمام باب المسجد، قرب بئر الجامع ومنهم من علقه على جدع نخلة البئر.
كبر المؤذن من أجل إقامة الصلاة واصطفوا صفا واحدا، كبر الإمام حتى تمت الصلاة من ركوع وسجود وسلام ورفعوا أياديهم مرددين؛ أمين.. أمين.. أمين، وقراءة سورة الفاتحة، بعد أن أكمل الإمام الصلاة.
تصافحت الأيادي مصحوبة بكلمة “يتقبل الله منا ومنكم”، وغادر أغلب المصلين المسجد وأخدوا أمتعتهم وتفرقوا عند باب الجامع واتجهوا إلى حقولهم المحيطة بالبلاد عبر مساراتها، ولم يبقى في المسجد إلا الأمام والمؤذن..
الحقول التي تحيط بالقرية لها مسميات، وكل حقل له اسم يتميز عن الآخر مثل؛ بستان دازه والجديدة إلى جانب خيال، ولا يوجد مصدر آخر للرزق أو الأكل إلا زراعة الأرض بالرغم من قلة المعدات، والعمل يعتمد على المجهود العضلي مثل حرث الأرض وسقاية المزروع وغيره..
ولكن مع هذا، فإن هذا المجتمع منظم في العمل، حيث ينقسمون إلى عدة مجموعات كل مجموعة لها عمل معين، منهم من يجيد في المرجع، أي يقوم بإخراج الماء من البئر، وذلك من خلال جر حمار في المرجع وتدفق الماء الى الساقية، ومجموعة أخرى تعمل في السقاية أي ري الارض..
عند منتصف الظهر يتوقف العمل في الحقول، ويجلس الفلاحون من أجل تناول وجبة الغداء، وعادة تتكون من التمر وبعضهم كسرات من خبز التنور، وبعد تلك الوجبة يستلقون قليلا من أجل الراحة وبعدها يرجع كل منهم إلى عمله حتى العصر، ينتهي كل شيء ويعود كل واحد منهم إلى بيته منهكا من التعب، بعضهم يعود على دابة، وآخر يحمل بعضا من إنتاج الحقل، وهذه هي حياتهم…
في الصيف أغلبهم يقيمون في الحقول بسبب برودة الجو، إلى جانب الصيف يتسم بمحاصيل لابد من رعايتها مثل الطماطم، والتي تعتبر من أهم المحاصيل عندهم.
كانت حقول البلاد تتميز عن بعضها، مثلا بستان دازه تتميز بشجرة التين، وحقل آخر بعذوبة الماء، والآخر بوفرة المنتوج والذي كان عادة القمح والذرة البيضاء، إلى جانب الطماطم والفلفل والبصل، وكل محصول له وقته في الصيف او الشتاء.
البلاد فيها متجر واحد فقط، وهو ملتقى أهل لبلاد من أجل تبادل الحديث وآخر الاخبار وصاحب المتجر يعد لهم الشاي من حين الى اخر حسب المزاج، حيث أن هذا المتجر لا يبيع سوى القماش والسكر والشاي الى جانب زيت الزيتون.
البلاد لها حطية أو غابة من النخيل، ويعتمد أهل البلاد على التمر باعتباره من أهم المحاصيل عندهم، يأكلون منه طوال العام، الى جانب أن بعض الأدوات من السعفيات مثل سقف البيت والقفه والطبق والحكمة التي يبرد بها الماء في الصيف، وكذلك يستخدم جريد النخل في مصدات الرياح حول الحقول.
المدرسة الوحيدة في لبلاد هي المحضرة، والتي يتعلم فيها الاطفال القرآن الكريم منذ الصغر، وعادة ما تكون قرب المسجد، أو مكان آخر يسمى الزاوية، ويتعلم فيها الاطفال قراءة وحفظ القران الكريم، ويوم الأربعاء يحضرون معهم شيئا من البيض أو التمر إلى انعم سيدي وتعني الشيخ الذي يعلم القرآن..
في يوم فزع الناس من نومهم، وإذا بالسيل يغمرهم ويغمر البلاد، انهارت البيوت الطينية وتساوت مع الارض ولم يبقى الا القصبة، وتعني القلعة الصغيرة، والمسجد الى جانب الزاوية، وعدد من البيوت، وأصبح اهالي لبلاد في العراء واياديهم على خدودهم ينتظرون مصيرهم..
يقال؛ رب ضرة نافعة.
سمعت السلطات بما حدث للبلاد، ووضع الاهالي المأساوي فقررت السلطة إنقاذهم وذلك من خلال بناء منازل لهم بالطين في مكان آخر، قرب لبلاد، وسرعان ما استكمل بناء تلك البيوت الطينية، إضافة الى بناء مسجد وعيادة صغيرة، الى جانب مدرسة قرب البلاد القديمة..
المنطقة التي تم فيها بناء البيوت الجديدة، أطلق عليها البناية، أما البلاد فيقطنها عدد من الناس، والمسجد العتيق والقصبة حتى يومنا هذا، ولازالت البلاد تحيط بها بساتين دازه والجديدة، الى جانب خيال والبحيرية، البلاد باقية مع أجزاء من معالمها..
هذه البلاد هي قرية تويوه في وادي الآجال، أو وادي الحياة، احدى محلات بلدية الغريفة، وأصبح من أحفاد الفلاحيين؛ المهندس، والمعلم، والضابط.