المقالة

رمتني بدائها وانسلت

 اميس انتمورا

“عندما ينتهي القانون يبداء الطغيان”

جان لوك

هذا المثل – عنوان المقال، لمن لا يعرف – يضرب لمن يعير صاحبه بعيب هو فيه، وهو نوع من انواع الدفاع السلبي يقوم به من يريد ان يدفع تهمة عن نفسه، ويسقط هذه التهمة عن الاخرين.

من صلب معتقداتي الايمان بقدسية المواطنة وما يترتب عليها من واجبات وما ينالها من حقوق اولها المساوة، لذلك لم يسبق لي ان اعتقدت في او داعمت مشروع كمشروع قانون العزل السياسي، لانه ادانة لمواطن قد لا يكون مدان، الا ان موقعه وضعه في خانة المدانين، لذلك تمنيت ان أُستُبْدِل هذا القانون بلوائح تعمل على تطوير لجنة النزاهة الوطنية وتعزيز سلطة القضاء، وقد اشرت الى ذلك العديد من المرات وفي مواقف مختلفة.

قانون العزل اتبث بما لا يدعوا للشك انه قانون اقصائي بامتياز، اضاع على ليبيا فرصة الاستفادة من خبرات جمة هو في اشد الحاجة اليها، وافسد تقة شريحة لا باس بها من المواطنين في الواقع الذي انتجه التغيير والثورة. وللاسف هناك تجارب سابقة لدول اخرى اتبثت سوء إنفاد هذا القانون بالشكل الذي طبق، وتجربة اجتيثات حزب البعث في العراق ليست ببعيدة، والتخبط الذي نراه الان يعود في جزء كبير منه الى الاجحاف الذي نال البعض من تطبيق هذا القانون.

الانسان كائن مركب ومعقد، فيه من المحاسن ما يُعجز عن احصائها وفيه من المساوي ما تُذهب بكل هذه المحاسن، قال فيه سبحانه وتعالى “إن الانسان ليطغى”، وقال فيه “قتل الانسان ما اكفره” وقال فيه جل وعلا “ان مسه الخير منوع” الخ هذه الايات الكريمات التي تجعل من الانسان السوي حسيب نفسه ورقيب عليها قبل ان يقع منها ما يندم عليه حين لا ينفع الندم. لذلك ليس من السهل الوثوق فيه وتركه دون حسيب ورقيب، وهذا ليس من باب التنقيص بل من باب الاحتياط.

ولكل انسان ثمن، والتجربة محك الرجال، لذلك ليس من الحصافة والحكمة ان يدعي شخص ما او فريق ما مطلق النزاهة، ولا يحق لاين كان ان يدعي امتلاك الحقيقة والدود عن حياضها، فإن وجد من يقول بذلك فلا شك في انه جاهل او مخادع، مهما كانت منطلقاته الفكرية والدينية، ومهما كان نبل دوافعه.

في العالم المتحضر، يحتدم الصراع بين السياسيين بشكل عدائي لا يصدق، يختلط فيه الاتهام والقدف ومهاجمة الفصيل المخالف بشكل تعف الالسن عن الخوض فيه، لكن عندما تتعرض الدولة لامر جليل يقف كل رجالتها وكل الفرقاء في خندق واحد، وتصبح الاحزاب التي تقف خارج السلطة وتتربص بالحزب الحاكم تصبح هذه الاحزاب من ادوات الحزب الحاكم نفسه، وتترك موضعها في خانة المعارضة الى مراكزها الجديدة في مساندة السلطة حتى يعبر الوطن الازمة.

والحقيقة، موقف المعارضة هذا الذي يهادن الحكومة ويساندها، يسبب لها ضرر كبير امام الرأي العام المؤيد لها، إذ يساء فهم هذا الموقف ويعتبره الجمهور تأيد لاهذاف الحزب الحاكم واعتراف بقدرة الحزب الحاكم في معالجة الامور، وبالتالي يفقد الحزب المعارض قدر كبير من تأيد الكتلة الانتخابية والراي العام، مما يؤتر سلبا على قدرة هذا الحزب في نيل مركز السلطة في الانتخابات القادمة. لذلك، وبسبب حرصها على الصالح العام، استطاعت هذه الاحزاب بجدارة ان تساهم في صنع دول ينعم فيها الجميع بالحد الادنى من الرخاء، ويحققوا بتعاونهم الدور المناط بالدولة والمتمثل في تحقيق كرامة المواطن ومساوته امام القانون وتوفير الحرية والحياة الكريمة له، بغض النظر على انتماءات هذا المواطن وتوجهاته السياسية والفكرية.

في حرب الفوكلند، وقفت المعارضة المتمثلة في حزب العمال، والذي يضم في صفوفه اعضاء ينتمون ايدلوجيا الى تيار اليسار المتطرف، وقفت بكل تقلها مع تاتشر اليمينية رئيسة حزب المحافضين، رغم الاختلاف الفكري الكبير بين هذين الحزبين، لان القضية كانت قضية وطنية بامتياز حسب تقديرهم، فما كان لهم ان يعارضوا رئيسة الحكومة في قضية تمس الصالح العام. وربما يعاز فشل حزب العمال في كسب الانتخابات اللاحقة لحرب الفولكلاند الى موقفهم المؤيد للحرب، لان وجهة نظر جمهور حزب العمال تختلف عن وجهة نظر حزبهم، فدفع ثمن مشاركته ان فقد رصيده الشعبي، وفقد حظه في كسب الانتخابات، الا انه اكد على وطنيته التي لا ينالها شك ولا يرقى اليها ارتياب.

وهنا اطرح سؤال: اليست قضية اعتقال – او اختطاف- رئيس الحكومة الليبية السيد على زيدان من قضايا الصالح العام التي تستوجب وقوفنا الى جانبها؟ لا اعتقد ان شخص عاقل قد يجادل في هذا الامر، الا اننا فوجئنا بالتصريحات اللاحقة من بعض الاحزاب وبعض الشخصيات العامة حول طبيعة العملية وتحليلها للاسف.

انا هنا لا ادافع عن السيد زيدان، ولا على حكومته لإيماني بانها فشلت في تحقيق ما يجب تحقيقه، الا اني على يقين بان اسباب فشل حكومة زيدان يعود الى فشل المؤتمر نفسه، وقد اشرت في مقالي السابق (رب ضارة) الى هذا الامر، ولا زلت اجزم بان فشل حكومة زيدان يعود الى فشل المؤتمر بالدرجة الاولى، وفشل التنظيمات المسلحة وخاصة تلك التي تدعم بعض التيارت في المؤتمر في استعاب متطلبات المرحلة الانتقالية، وفشل المواطنين ايضا في فهم هذه المرحلة الدقيقة فلجاءو الى سياسة لي الايادي في تحقيق مكاسبهم، والتصرف بعيد عن اعتبار وجود الدولة، فاحتلوا المرافق الحساسة، وسيطروا على المواني النفطية، وقفلوا انابيب الغاز، بل ووصل ببعضهم الى اعلان دويلات داخل دولة، وهذه الامور لا تستطيع الحكومة احيانا معالجتها، بل يقع معالجتها في تعاون المؤتمر مع الحكومة، خاصة وان بعض مكونات المؤتمر تستقوى ببعض الفصائل المسلحة او تؤيدها، فقد كان على المؤتمر ان يقوم بتجريم هذه الافاعيل واصدار القوانين الكفيلة بالحد منها، ومن ثم مطالبة الحكومة بتنفيدها. ولا شك ان جل الشارع، ان لم نقل كله، كان سيقف مساندا لهذه القوانين ويقف في وجه مخالفيها ومساندة من يتصدى لها. لكل ذلك، وبسبب فشل المؤتمر لا نستطيع ان نتوقع ان ينتج المؤتمر حكومة اقدر من حكومة السيد زيدان، بل سيكون نصيب اي حكومة قادمة من النجاح متواضع ان لم نقل معدوم.

مع ادراكي التام لتخبط الاحزاب الوليدة والتنظيمات التي اسفر عنها التغيير، الا اني لم اتوقع ان تتدنى التيارات الحزبية وبعض الشخصيات العامة في خطابها الى المستوى الذي هبطت اليه، قد اتفهم الممحكات السياسية، وقد اقبل بها عن طيب خاطر، وارها ضرورة للحراك السياسي الاجابي، الذي يعمل على اثراء التفكير والممارسة، من خلال الاحتكاك بين الفرقاء. الا ان هذه الامور لا تستقيم في الاوقات الحرجة، وفي الزمن العصيب الذي تمر به الاوطان. ففي الازمات يتطلب الوطن التكافل والتعاون للخروج من المأزق التي تصيبه، ولا يتطلب تحميل المسؤلية من لا يناط بها او دفع مسؤلياتنا وتعليقها في رقاب الاخرين.

ليس فقط من الاجحاف، بل من الابتدال السياسي ان نسمع من بعض الكتل والتيارات السياسية ارجاع “التصرفات غير المسؤلة” التي تمثلت في اختطاف شخصية بحجم رئيس دولة الى “سوء ادارته للامور”، او ان نقراء بان عملية الاختطاف عمل مفبرك “مسرحية يراد بها كسب التعاطف مع زيدان حتى لا يتكلم أحد عن فشله في إدارة الدولة”، والغريب ان هذين الرأيين رغم تناقضهما صدرا عن نفس الكتلة الحزبية، فالاول يعتبر ان عملية الاختطاف عملية غير مسئولة قام بها اناس غير مسؤولين، والرأي الثاني يرى انها تمثيلية من صنع المختطف.

ان المخرج الوحيد من الازمة الليبية التي اصبحت تتفاقم يوما بعد يوم هو في اعادة التفكير في خلافاتنا داخل المؤتمر الوطني، وتحديد اهدافنا المشتركة، ثم التعاون في العمل على تحقيقها، وان لم نتنازل عن ايدلوجيتنا واطماعنا فسيكون الفشل ليس من نصيب الدولة والوطن فقط، وانما من نصيب الايدلوجيات التي ندافع عنها. الافكار والايدلوجيات المثالية لا تنتعش في غياب الدولة، وان انتعشت انتعش معها الطغيان، ففي غياب دولة القانون حضور لدولة الطغيان.

والله من وراء القصد

(emesintmora@googlemail.com

مقالات ذات علاقة

ما جدوى الشعر؟ ما جدوى الحَرب؟

فرج العربي

خلود الشعر والصحافة بهجات عند النافذة لازالت في الانتظار

نيفين الهوني

رسالة إلى الرئيس

عبدالقادر الفيتوري

اترك تعليق