لماذا الحكومة الليبية تحارب عالمية مدينة (غدامس) السياحية والتراثية والتاريخية؟
لماذا التجاهل والإهمال للقيمة التاريخية والسياحية والحضارية لمدينة غدامس العريقة؟
لماذا وضع العراقيل أمام مشاريع التنمية التي تتهاطل على المدينة من الشركات والمؤسسات العالمية للاستثمار بالمدينة لبعث فرص لتشغيل شبابها وتنشيط الحركة التجارية والاقتصادية والسياحية بها؟
(2)
مدينة غدامس (جوهرة الصحراء) تكتسي مرتبة متقدمة في التصنيف السياحي العالمي وفق تصنيفات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو UNESCO) وذلك لما تزخر به من مقومات جذب سياحية تتنوع بين التاريخي والتراثي والديني والحضاري. فالمدينة القديمة يرجع عمرها إلى أكثر من أربعة ألاف سنة، وأقدم مساجدها وهو الجامع العتيق يرجع تاريخ تشييده إلى عام 44 هجرية وهي فترة قريبة من صدر الإسلام وبالتالي يعد من أقدم المساجد في شمال إفريقيا، والهندسة المعمارية الغدامسية تثير الكثير من الأسئلة العميقة للغوص في الفكر الإنساني المبدع الذي تفطن مبكراً لكل الجوانب الإنشائية العملية والتصميمات العمرانية الجميلة التي تمكن بها أهالي غدامس من إدارة حياتهم منذ ألاف السنين بصورة تبدو متقدمة عن غيرها من حضارات الوطن العربي والحضن الإفريقي والاقليم المتوسطي سواء من حيث مد شبكة المياه تحت الأرض بالمدينة، أو شبكة الصرف الصحي، أو الاستفادة من فترات السطوع الشمسي للإنارة والإضاءة الطبيعية والتهوية، وكذلك آلية ومواعيد إرسال واستلام البريد عبر القوافل التجارية التي تنطلق وتتوقف بالمدينة وغيرها من الخدمات والابتكارات التي تمثل مواضيع للبحث والدراسة والتدبر والتأمل فيها.
وعلى الصعيد الإجتماعي أولت مدينة غدامس من الناحية العملية المعيشية الاجتماعية مبكراً احتراماً وتقديراً لكل الشرائح الجنسية والفئات العمرية، فالنساء لهن جلسات وممرات علوية خاصة بهن، والكبار الشيوخ لهم أمكنة تجمع ولقاء وتحاور على نواصي الطرقات بوسط المدينة، والشباب لهم أوقات وأمكنة خاصة خارج المدينة، والأطفال لهم براحات وفضاءات عديدة لممارسة حياتهم بكل ما تتطلبه من لعب ولهو بجانب تلقيهم دروس الحياة بلغتهم الغدامسية القديمة، ثم التعليم الديني باللغة العربية داخل كتاتيب المساجد السبعة بالمدينة.
(3)
الطريق البري إلى غدامس
للوصول إلى مدينة غدامس والتمتع بالتجول بين طرقاتها الفسيحة ودروبها وممراتها التاريخية الضيقة وتأمل هندستها المعمارية المتفردة في عصرها وإبداعها مكابدة عظيمة، فلابد من شق طريق بري بطول 640 كيلو متراً تقريباً يفتقد بكل أسف لأدنى مواصفات الطريق البري الآمن من الناحية الإنشائية السليمة، فهو طريق بري طويل آحادي الحركة المرورية بعرض ستة أمتار فقط وغير مزدوج، يفقتد للعلامات الإرشادية الطرقية وإشارات المرور الأرضية والمعدنية والضوئية، مر على إنشاءه عشرات السنين فبدا متهالكاً بائداً يضيق بحجم الحركة المروية المتبادلة بين مدينة غدامس ومحيطها الشرقي بداية من تيجي إلى نالوت مروراً بكل المدن الصغيرة الأخرى.
والصيانة التي تقوم بها الحكومة الآن من خلال إحدى الشركات المتعاقدة معها وزارة المواصلات تعاني الكثير من القصور الفني والرؤية المستقبلية لإيجاد حلول ناجعة لمشكلة الوصول للمدينة عبر الطريق البري، لعل أول ذلك المستوى الفكري المتدني يتمثل في الإصرار على صيانة هذا الطريق الفردي المتهالك وغير الصالح فنياً، وعدم التفكير جدياً في تعبيد طريق آخر، حديث عريض وواسع مزودوج، موازٍ للطريق القديم المستخدم حالياً؟ فالأرض واسعة وشاسعة وخالية من الشواغر كافةً؟ ثم لماذا الشروع في تعرية وتكسير الطريق لمسافة تقارب 35 كيلو متراً وهو الوحيد المستعمل حالياً، دون التفكير في البديل لاستمرارية الحركة البرية بكل انسيابية وسرعة وآمان؟
(4)
مطار غدامس … مغلق!!
خلافاً للطريق البري الخطير توجد هناك وسيلة وصول أخرى لمدينة غدامس أكثر سرعة وأمنا، ولكن للأسف الحكومة تمنع استخدامها إلاّ لأغراضها الرسمية الخاصة والمحدودة، وتمنع المواطنين من الاستفادة منها، وهي وسيلة النقل الجوي عبر مطار غدامس المعطل حالياً إلاّ لرحلات عارضة لزيارات ممثلي الأمم المتحدة أو مجلس النواب أو مسئولي الحكومة للمدينة دون غيرهم من المرضى الذين يتطلب علاجهم على وجه السرعة باستخدام طائرات الإسعاف الطائر أو غيرهم من المواطنين والتجار والزائرين للمدينة العريقة. وبالتالي فإن الحكومة تحرم مدينة غدامس من مثل هذه الخدمات الإنسانية الضرورية للحياة اليومية بالمدينة، وكذلك حرمانها من أفواج السواح الذين كانوا يتهاطلون عليها فينعشون حركة الفنادق بها والحركة الاقتصادية لأهلها، حيث وصل عدد السواح خلال إحدى السنوات الماضية إلى حوالي 180 ألف سائح للمدينة وظلت فنادق المدينة محجوزة بالكامل لقرابة أربعة أشهر متتالية وغير قادرة على استيعابهم. فمتى تلتفت الحكومة لتوسيع الإسكان الفندقي ودعمه وتشيجع الملاك على الاستثمار فيه؟
(5)
الاستثمار بمدينة غدامس
فلسفة الحياة العصرية تجاوزت العقلية البائسة التي تتعاطى مع الاستثمار بأفق ضيق على أساس المصلحة الأحادية الجانب، وبأنه يلتهم الموارد الوطنية دون عائد أو منفعة على أهل المدينة أو الوطن. الاستثمار صار شرياناً من شرايين التعاون التكاملي والحياتي مع كل المجتمعات والدول وفي شتى صنوف المجالات. ومدينة غدامس – كما أخبرني عميد البلدية- تنهال عليها الكثير من العروض الاستثمارية المختلفة من الشركات والمؤسسات الأوروبية والعالمية الدولية في مجال توليد الطاقة الكهربائية من خلال إنشاء محطات الطاقة الشمسية في هذا المجال لإنتاج كميات هائلة تفوق حاجة المدينة الاستهلاكية، وبالتالي إتاحة الفرصة لها لتصديرها لمدن ليبية مجاورة أو خارج ليبيا. وكذلك من بعض الشركات الزراعية التي عرضت زراعة وتوطين أشجار (الجوتروفا) الصحراوية وهي ما يطلق عليها (زراعة البترول) وإنتاج (الوقود الحيوي) من هذه الأشجار الملائمة للظروف الجوية والمناخية والبيئية للمدينة. كما قامت إحدى المؤسسات الألمانية بعرض دعم مركز تطوير المرأة بالمدينة وتجهيزه وتدريب النساء على مهن تتناسب مع إمكانياتهن، وغيرها من المشاريع والعروض الاستثمارية المقدمة للمجلس البلدي لمدينة غدامس. فيا ترى لماذا تحارب الحكومة هذه المشاريع التنموية وتضع العصى في دواليب تنفيذها لعرقلتها وحرمان المدينة من عوائد هي في أمس الحاجة إليها؟