المقالة

عن تلوّث الهواء الإفتراضي والتهابه الرئوي

الفيسبوك

لا تكفي ثقة النفس في نفسها للاستمرار في التنفس، لأن مانراه هواءً نقيًّا هو في الحقيقة مزدحمٌ بتنفس الآخرين وزفرهم الذي يحمل نفس اللون، لكنه مختلف بثاني أكسيد الكربون وشوائب أخرى قد ترسب في الرئة الملتهبة، والفروق تحددها نباتات القرّاء التي تورق وتزهر على نقائها.

لقد تدرجت سلم الكتابة منذ عام 88م وهذا زمن مبكر بالنسبة لِسِنّي آنذاك، خارجاً من شرنقة العمودي، إلى عالم يلوي ضوءه عنها إلى قصيدة النثر، وبعيدًا عن مركز المشهد وعواصمه، ثم توقفت واعتزلت لشعوري بالغربة، بما تبلور في داخلي من رؤية نقدية أسرّت في سمعي أن الشعر يعني الإضافة والجديد، اللذان يلزمهما من يؤمن بهما إصغاءً وتصديقا، والكارثة أن هذا أدّى بي إلى عزلة بسبب فقداني التأقلم مع العالم الافتراضي الذي حقق التوازن البديل للواقع المجحف، فلم أكتب طيلة أربعة عشر عامًا إلا بضع نصوص لا تزيد على أصابع اليدين، حفِظتْ عرق النبض لعذراء دورة الحياة في قصيدتي، ثم عدت مذهولاً مما أقرأ؛.. قرأت نصوصًا وجِلْتُ أمامها، وشعرت بالخوف القريب من الموت الشعري، وقلت في خلدي إن القطار قد مضى بعيدًا عن طموح الإضافة والجديد، ترددت في العودة من شدة الفزع، ولكني طفقت أنهب القراءة بمزاجٍ يصارع بين الاستسلام والإلحاد المتمرد، من أجل البقاء المؤمن بصوته الخاص في السائد، كان الدخول مثل الولوج المنغمس في نهر لأول مرة بعد انقطاعٍ طويل؛ ملمس الماء على عموم الجسد الكفيف لا يكشف خواصه وقوامه لأول وهلة، وعلىَّ أن أسبح بتؤدةٍ الاكتشاف المحاذر، وهنا يكون المسيس أحوجُ لمن يهتف لك أنك تمضي جيدًا إلى الضفة الأخرى، وتفتقد ذلك ثم يحدّثك ضميرك الواثق بالطمأنينة، وتتداعى أصوات مشفقة أو منبهرة على خجل لتستمر، ولكنك في منتصف العبور تلتفت إلى ماكنت رأيته أمامك وقد صار خلفك، ولم يعد يخيفك اجتيازه لتبصر في الضفة الأخرى أصواتاً ترى السبق والمقدمة أجلى وضوحاً، وتهتف لك بنخبويتها الأصدق علماً بسباحتك وتقدمك، يحدث هذا دون تحشيد وتجنيد كما يحدث لسواك على ضفة الغطس.

ذات مرة فوجئت بشخص دخل على الخاص واستأذن بنشر مقالةٍ في نقد نصٍّ لي، وكان أن أشبعه طعنًا مزاجيًّا، وكنت أعلم أني أتفاعل معه حين تبدو لي إجادته، فقلت له؛ أنت لم يسبق لك أن تفاعلت معي وها أنت تزعم متابعتي ؟، فرسم إموجي ضاحكًا وأجاب ” أنا أتابعك بصمت”، لم أرد، لكني تساءلت في نفسي عن سر المزاجية التي تقوده للتفاعل في غير صمتٍ مع آخرين غيري من النطيحة والمتردية وما أكل السبع؟، وأنا المتفاعل معه، لكن هذا الموقف عزز الثقة في نفسي بأنني أكتب على رؤوس الكثيرين من هؤلاء، هؤلاء الذين تتفاجأ بدعوتهم إلى الإعجاب بصفحة يطلقونها حديثًا، أو بطلب تسويقي للانضمام لصداقة صفحةٍ يفتحونها للنخب وهم المستكبرون على المرور البعيد.

ودّان. 1 آب 2020 م

مقالات ذات علاقة

حـديـث الثـلاثـاء … البـوصيـري عبـد اللـه   

المشرف العام

يحدث في ليبيا فقط وحصري

خالد الجربوعي

تسويق الزيف – (1) السيادة الوطنية

المشرف العام

اترك تعليق