سمية أبوبكر الغناي
انتابني شعور هستيري، أُنهكت خوفًا، خذلانًا، ألمًا وإرهاقًا، خنقتني العبرات، واختلطت الزفرات والآهات، تنفستُ الصُعداء وأزحت الستار عن الدمعات، فانحدرت كحمم تحرق مشاعرًا مهّدت لها الطريق، سالت أوديةٌ من تلك الغيوم الجاثمة جبالًا على صدري غائرة به كرمح سفينة، وتبخرت كدخان سيجارة احترقت فاختفت هُوينًا.
لا أنكر أنَّ اليأس قد تملّكني لحين، ولم أعد أقوى على السير، فهل أتوقف هنا؟ أتساءل، لأنني أجهل دربي، أطويلٌ هو أم قصير؟ تملّكني اليأس قليلًا، فصَمَتُّ. ثم سرعان ما تلاشى ذاك اليأس كزوبعة عابرة مرّت عابثةً، أفزعت، فأوّهنت، أو حطّمت، فكبّلت. انتبهت لنفسي، لم أصل خطَّ النهاية بعد، وعليّ الوصول، تمتمت بيتًا لـ”أبي الطيب المتنبي” وكأني أخلق عذرًا: “ما كلُّ ما تمناه المرء يدركه.. تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن”. ثم ترّجلت من سفينة الأحلام، واتكأت في ظل هوامش الأيام، لقد تشابهت وتسارع حلّها ورحيلها.
انزويت أشاهد وأتأمل، لم تعد تحملني قدماي لمواصلة المسير، فَهِمّتِي ليست عالية لأطير، ودربي ليس مُمهدًا فأسير. طالعت الأفق، وسرحت بمخيّلتي لبداية الطريق، كانت شائكة منذ بدايتها، ضللت واهتديت، وأُنهكت تعبًا وعدت فاستمررت. هكذا كانت بدايته، وعرًا عسيرًا يُفقدني أمل الوصول، فإن اعتدته وجدته هينًا يسيرًا ولكنّي عبد جهول.
تبسّمت، واستغربت مصدر أنيني وسبب دموعي، وكأنني ألوم على نفسي دلالها وقلة صبرها واحتمالها، ثُمَّ انتصبت أُزيح غبار التذمر، وقُلت لنفسي سأصل بمشيئة الله، وما شأني ومركب المتنبي؟! ثُمَّ أردفت قائلة متابعة مسيري:
“ويجري مركبنا بأمر مُجْرِيها
كم من عواصف عجزت أن تُرَّسِيها
الجودي وِجهتها لنجاة من فيها
والخَرق إنْ يحدث من ألطاف بارِيها
الريح جند الله تشتّد فتدفعها
ويقوِّم الرّحْمَن بفَضْلٍ اعوجاج صاريها
ما بين شدة ورخاء الموج يسيّرها
الخير مقصدها وإن ضلت فيهديها
والركب يومًا لا بدَّ أن يغادرها
بعفو الله بالفردوس مرسيها”