قراءات

بين الشعر والرواية مسافة لهواجس سنان

غلاف الرواية

هل القصيدة أُقحمت في فخ الرواية ؟
تُحاصرك القصيدة من كل الزوايا وتُابغتك قفزاتها على الحبال في كل سطر، هواجس الضفّة الأخرى للشاعر والروائي “عبد السلام سنان” الصادرة عن مكتبة طرابلس العلمية العالمية لعام 2020م، هي فاتحة أعماله نحو دنيا الرواية، بين صفحاتها يلهث قلم الروائي للضم خيوط الأحداث المتشابكة من خلال الشطط الشعريّ الذي قد يبدو للقارئ مبالغًا فيه، والشاعر كمن يبحث عن اللؤلؤ في مياه الخليج، فبين صفحة وأخرى مشاهد بيضاء مُكتظة بالاطناب البلاغي تجعل القارئ أمام قصيدة طويلة ذات نفس محتشدة بشراهة المزيد، فشخوص الرواية يُفكّرون على طريقة امرؤ القيس ويرتهنون لأهواء القصيدة، وننظر لواقع المشهدية من الخارج على نحو كلاسيكيّ تجاوزته الرواية الحديثة منذ عقود.

غياب عنصر الزمن !
وفي هذا الصدد لا نؤاخذ الروائي فهو اتخذ شكلاً فنيًا متعارفًا عليه ومقبولاً في الغالب، بيد أن هذا الشكل شابه ما شابه من الهلهلة اللامقصودة لنجد عنصر الزمن ضبابيّ لا نتلمسه إلا لمامًا ولعله يتجلى في الثلث الأخير من الرواية، وتفتح الرواية شهيتنا بالطفل “شاهين” الذي يقيم مع أمه التي تتعّهده بالتربية والرعاية بعد انفصالها عن أبيه الثريّ يعيشان في منزل صغير متواضع، وتتعرّض الأم فجأة لوعكة صحية وتحتاج لدواء بعينه وليس في حوزتها المال الكافي لابتياعه ما يدفع الطفل “شاهين” لسرقته من الصيدلية، تتبع الأبعاد النفسية لشخصية (شاهين) وصولاً لتبوِّئه منصب ضابط مباحث حتى يُرمم فجوة ما خلفه العوز والفقر في نفسه تماهٍ معقول لكن “شاهين” ضابط الشرطة الذي مرّ بتجربة زواج فاشلة وقبلها بطفولة أذاقته طعوم اليُتم المبكر يتحوّل بطريقة غاب فيها المنطق لمحامٍ فجأة ودون مقدمات أو تمهيد يقنع القارئ بهذا الانقلاب المهنيّ.
المكان من خارج الصندوق !
يبق أمر نقف عنده ممثلاً بالمكان كعنصر مبهم يحتفي بالبعيد دونما التورط في ذكر اسمه صيّر لنا رؤية الوطن من خارج الصندوق، حيث رأينا الوطن بعينيّ “شاهين” و”فاطمة” وابنيهما متلألاً وفائضًا بالبهاء، لكن في المقابل نعود للارتباك الذي وقع فيه الروائي أثناء عملية تسلسل الأحداث وتنقلها مما ساهم في اضعاف موقفها المنطقي مثل واقعة جريمة سرقة مصاغ السيدة “درصاف” التي حقق فيها “شاهين” كشرطيّ مباحث وأهملها كمحامٍ، واتضح لاحقًا أن زوجها هو من أخذ مصاغها ومجوهراتها بصورة لم تكن مقنعة في رسمها الدرامي ثم ما لبث أن توفيت السيدة “درصاف” متأثرةً بهجر زوجها الرحّالة لها ومعاناتها مع غُبار الوحدة، وكأن الروائي هنا أراد أن يبرر بهذه الواقعة السبب لتعارف “شاهين” و”فاطمة” الصحفية وفي ضوئها تنقش القصيدة أبياتها على جبين القمر !


نعود للمكان كعنصر هامٍ لم يثبت فعاليته الملموسة في الرواية وانعكاس ذلك ورّط قلم الروائي في متاهة شعرية لا لزوم لها أو كان له أن يُوظّفها بألية أذكى مما جاءت به، القصة ربما لم تُرصّ بمضامين جديدة تُضيف لمخيال ورؤية القارئ فقد بدت بسيطة وتقليدية في قالب شعريّ ملفوف بسلوفان لامع.

أين هي الهواجس ؟
إنما نحن لا نريد أن نقسو على قلم الروائي فهو شاعر له باع في ميدان الكلِم وجمالياته إنما هواجسه بالكاد تسرّبت إلينا، لكننا نأخذ في عين الإعتبار أن هذه الهواجس هي أول الطريق الذي يشقّ به الشاعر ثمرة ريقه في عُباب القصّ الروائي كما نحن على ثقة من أن المقبل سيكون أفضل .

مقالات ذات علاقة

ليبيا.. “حوليات الخراب”، رواية جديدة عن ليبيا

المشرف العام

صراخ الطابق السفلي… تفتح باب الماضي على مصراعيه

ليلى المغربي

طيف.. ورسائل هاتفية

رامز رمضان النويصري

اترك تعليق