جُلنار أحمد
أمل لا أعرف السبب.. لم هذا الانسجام.. نجلس سوية.. نتبادل بعض القضمات من فطورنا في الاستراحة.. إنها متواضعة الذكاء.. ربما تصغرني بعام.. لكن تفاصيل جسدها مكتنزة حد الأنوثة.. أستغرب طريقتها في الكلام.. تقول (عئيني) بدل (أعطيني).. أرافقها فيم يهرب الجميع.. تغدق عليا بالهدايا والإكسسوارات.. عندما أعود توبخني أختي نعيمة.. -من أين لك بهذه الهدايا.. -أأأ أمل أمل صديقتي أهدتني إياها..- إياك أن تأخذي منها شيئا أتأمل الخاتم الشفاف والسائل البرتقالي ينساب بداخله أصداف وحلازين.. نباتات مائية.. مُحيط صغيرة يرقد في الداخل..- أين أنت ..إياك أن تأخذي منها هدية واحدة.. ماذا لو كان أخوها هو من يرسلها لك؟رميت الخاتم بعيدا دون أن أدرك.. كأنما شيء ساخن لسعني.. قمت بحركة القوس المنعكس.. تخلت عنه عضلات أصابعي.. والإشارة العصبية لم تصل بعد..لم كُنت خائفة هكذا .. صراحة لاأعرف.. فمحمد يكبرني بعام وجماله أخّاذ.
لن أنسى شعره الكستاني وهو يشكل دوائرا واسعة على جبينه.. الشيء الذي لايقاوم هو خجله وابتساماته الخفية.. انتهت الشهادة الإعدادية.. افترقنا.. كل بثانوية وتخصص مختلف.. ولكن.. اجتمعنا بعد عامين في إحدى مراكب الهجرة غير الشرعية(حافلة عمي حمد).. أمل .. نعم إنها هي بعينيها الواسعتين وحاجبيها المكتضين.. تجلس جهة الشباك تطرشق العلكة وتلحس ماتبقى منها على شفتيها.. يوم ويوم ويوم .. اكتشفت أن أمل لم تعد الطفلة التي لاهم لها سوى الأكل.. المراهقة تجتاحها بكل تأكيد.. حان دوري الآن كأشهر مخربة للعلاقات العاطفية..- أمل.. إنه يكذب عليك.. تخيلي إنه يلوح لزميلتنا أمل التي تدرس في الفصل التالي.. لم يكلف نفسه حتى عناء تغيير الاسم !!- ههههههههههههه ياربي راني تايبة.. لقيت(…) سايبة. لم أفهم شيئا كلامها غريب.. استرسلت تسرد قصة المثل وتقهقه بأعلى صوتها.. أمل مابك ماهذه النكتتة الداعرة.. أنت لم تقصدي أليس صحيحا.. عندما عدت للبيت كتبت كلمات لأهديها إياها:(هل الحب وهم أم أنا غبيةلا أفهم الحب وقد أصبحت صبيةيقولون الحب عذاب ولم العنيةيقولون الحب ظلم ولم البغيةيقولون الحب قبول وأنا لا أقبل أختيا يقولون الحب رضا وأنا أصرخ في وجه والديا لا أعرف كيف أفهم أو أحل القضيةوالبعض يتوهمون جنون الحب حتى المنية) صديقتك المحبة شذىبعد أن أنهينا المرحلة الثانوية.. ذات ليلة حارة أرتدي فستان أمي (الباصمة) وأداعب بطني المتخم بالجمال.. في (البلكوني) يبرق ضوء أحمر يعقبه صوت ارتطام عنيف.. قذيفة لعينة تصيب مدرسة (سكينة)أركض باتجاه الباب والظلام حالك.. أرتطم ببعض الأكتاف.. رؤوس..مؤخرات.. في باحة العمارة أنا وجارنا ناجي وأحمد والممرضة آمنة.. أين جارنا غيث و أين الجارات؟ .. إنهن يُخْرجن أطفالهن.. كقطة تم اقتحام مخبئها.. تلتقط صغارها بين فكيها و تركض.. طفلي لازال جنينا..لذلك لم أتأخر بالنزول.. من أجل ذلك لحقت بركب الرجال.
وأخيرا تظهر جارتنا الشرقاوية في ملاءة صلاة.. أما زوجها غيث فهو لايزال يحتضن حقيبة المجوهرات والنقود فحليمة كوافيرة مشهورة.. (بقرة حلوب).. نتجمع في الباحة نصرخ بأعلى صوتنا ترفع حليمة يدها في وجه ناجي عندما اعترض طريقنا ونحن نحاول الفرار.. لنكتشف أن حليمة التي تحمل توأمين ببطنها لا ترتدي شيئا تحت ملاءتها سوى سبيكة من الذهب.. يتصاعد الصراخ وتحس منى بسائل يبلل ساقيها..تصرخ.. تبكي بحرقة.. طفلتي.. نشاركها العويل بعد أن باغثنا ذات الشعور..صمت.. تلك الليلة اقْتَرَفَتْ خطيئة لاتُغتفر.. والد أمل غارق في دمائه.. يترك باب المدرسة مشرعا.. هكذا.. من دون حراسة.. يترك أمل وإخوتها الثلاثة عشر من دون هدايا.. لم أعد أرى أمل.. ولم أسمع عنها.. إلا في تلك الليلة عندما تصدرت جارتنا نجية جلسة المساء وهي تدعو وتتضرع لو أن الله أراحهم منها.. ليتها ماتت ولم تخرج من المعهد مع ذاك الوضيع.. تسمرت.. قبل أن أستفسر – من تقصدين؟- أمل وضعت رأسنا في التراب.. – لم- خرجت مع ولد في سيارته واتجها صوب الوادي.. وعندما لحقهما الأمن.. تعرضا لحادث أليم.. ليتها ماتت ليت رأسها تدحرج بعيدا بدل أنفها.. لم تحترم وفاة والدها.. ليتها ماتت.- لا هذا غير صحيح أمل ليست مذنبة.. فقط هي طيبة جدا حد السذاجة.. أخبرتهن عن صداقتنا عن تلك الصور التي التقطناها معا.. عن مذاق المثلجات.. وشطائر البيض المقلي..المذنب الوحيد هو الجهاز الأمني الذي لحق بهما.. الأمن لدينا أكبر مصدر للخوف والضياع!آمنت بتناسخ الأرواح عندما اختار ابني أخاها صديقا له.. بعد كل هذه السنوات أستمتع بخط إبراهيم وأرى ابتسامة أمل.. أمل التي لم أرها مذ كنا بالثانوية.