كما هو معروف الحوار هو النقاش الدائر بين طرفين متجادلين احدهما محاور والآخر متحاور، والحوار قد يكون مفتوح وقد يكون مغلق، والحوار المفتوح أكثر فائدة وجدية. أما الثقافة فان المعجم اللغوي (مختار القاموس) يعرفها بأنها تعني صار حاذقا، خفيفا، فطنا(1).
كما عرفها معجم (رائد الطلاب) بأنها (ثقف، والحذق، المهارة، الإحاطة بالعلوم والفنون والآداب وبشؤون الحياة والناس)(2).
يقول الأستاذ محمد هيكل في مقال له بعنوان (الطفل العربي ودللناه بأفواهنا ولم نرعه بأعمالنا) في الثقافة:- (هي نظرة عامة إلى الوجود والحياة والإنسان قد تتجسد في عقيدة أو تعبير فني أو مذهب فكري أو مبادئ تشريعية أو مسلك أخلاقي، وهي البناء العلوي للمجتمع الذي يتألف من الدين والفلسفة، والفن والتشريع والقيم العامة السائدة في المجتمع)، ويضيف كذلك إلى إن الثقافة (هي ثمرة المعايشة الحية التلقائية في اغلب الأحيان وهي التمرس بالحياة، والتفاعل مع تجاربها وخبراتها المختلفة، ويعتبر التعليم احد مصادرها، وان الثقافة تعبير عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة وهي ليست تعبيرا أو انعكاسا آليا مباشرا). كما يقول المفكر الجزائري مالك بن نبى في كتابه (شروط النهضة) في الثقافة كما أورده الأستاذ محمد هيكل:- (إن الثقافة دستور الأخلاق لتكوين الصلات الاجتماعية، هي دستور الجمال لتكوين الذوق العام، وهي منطق عملي لتحديد أشكال النشاط العام، وهي الفن التطبيقي الموائم لكل نوع من أنواع المجتمع أو الصناعة حسب تعبير ابن خلدون)(3).
ومن ذلك يتضح إن الثقافة إكساب الفرد الحذق والمهارة في كافة العلوم والفنون والمعرفة بشؤون الكون بما فيه، وان الثقافة كذلك هي أحد أعمدة العولمة لما فيها من معلومات واسعة لكافة العلوم الواردة من مختلف الشعوب والأمم. كما يتضح بان الثقافة لا تختلف على التربية في مضمونها العلمي إلا أن التربية هي الأساس فالمثقف بدون تربية لا شيء على الإطلاق.
بعد أن تم التعرف على مفهوم الثقافة نعود إلى الحوار ودوره في الثقافة، الحوار الذي هو النقاش الدائر بين طرفين متجادلين احدهما محاور والآخر متحاور. للحوار دور كبير في نشر الثقافة بين كافة أفراد المجتمع، ويكون له اثر كبير عندما يكون موضوع الحوار جيد يفيد الثقافة ويكسب الكثير من المتحاورين شيء من العلوم والمهارة الجديدة لم تكن معروفة لديهم من قبل. فالحوار الثقافي يزيد من صقل الأفراد وينمي الأفكار فيهم فكثير من الأفكار والمفاهيم الأدبية والعلمية ومحتوى الثقافة التي تطرح في حوار ثقافي سواء كان هذا الحوار في مجال الأدب أو الفن أو أي علوم أخرى تلقى أذان صاغية وعقول متفتحة من قبل المتلقي لهذه الثقافة أو الاكتساب العلمي والأدبي التي يبثها الحوار وينشرها سواء كان ذلك المتلقي محاورا أو متحاورا أو حتى مستمعا لا دخل له في موضوع الحوار لا من بعيد ولا من قريب وخاصة عندما يكون هذا الحوار مفتوحا، فالحوار الذي يدور حول قضية أو مفهوم أو فكرة أو نظرية أو أي موضوع عندما يكون مفتوحا على أفراد المجتمع يعطي خدمة للمجتمع ويقدم دورا هاما في أثرا الثقافة لكل شرائح المجتمع. والمساجد والجوامع كوسيلة من الوسائل التي يدور فيها الحوار عن أهميتها تشير المصادر بان علماء المسلمين تحت مظلة الدولة الأموية وبتشجيع من خلفاء وأمراء تلك الدولة تم الاهتمام بعقد حلقات ومجالس في المساجد سواء كانت خاصة التي يبنيها الفرد ليصلي فيها ويعلم فيها تعليما عاما بدون مقابل، كما كانت تعقد مجالس وحلقات نقاش في الجوامع وهي عادة لتعليم الصلاة مثل جامع الزيتونة في تونس والقرويين في فأس والأزهر في القاهرة، وقد تناظر وتحاور الكثير في المجالات العلمية والأدبية والدينية في تلك المسجد والجوامع (4).
كما تساهم القنوات الفضائية من خلال بعض البرامج الحوارية في إظهار الحوار الثقافي إلى حيز الوجود باعتبار أن هذه القنوات من وسائل وقنوات الحوار، حيث انتشرت الكثير من البرامج التحاورية التي يدور فيها الحوار حول العديد من العلوم التي ترمي إلى نشر الثقافة بين عامة الناس . ونذكر من البرامج التحاورية التي يدور فيها التحاور والحوار حول الثقافة البرنامج التحاوري الذي قدمته القناة الفضائية المغربية عام 2001 م تحت عنوان (مدرات) وهو برنامج تحاوري ثقافي هدفه إيصال الثقافة إلى العديد من الناس (5).
كما قدمت القناة الفضائية المصرية عام 2001م الكثير من البرامج التحاورية ذات الحوار والتي كان هدفها تثقيف وتوعية الناس مثل برنامج (رئيس التحرير) الذي يتم فيه الحوار حول ما كتب في الصحف اليومية المصرية من مقالات ساخنة والذي كان يتم فيه استضافة عدد من المسئولين وذي العلاقة بموضوع المقالات (6).
كما قدمت القناة الفضائية الجزائرية عدد من البرامج التحاورية والتي اعتبرت ذات برامج تحاورية فيها الحوار مفتوح مثل برنامج (مساء الخير) الذي قدم عام 2001م وهو برنامج ثقافي يدور فيه الحوار والتحاور حول مسائل ومعلومات ثقافية متعددة بين المشاهدين الحاضرين للبرنامج مباشرة هذا البرنامج الذي يزيد في ضخ المعلومات للمتحاورين والمشاهدين (7).
وكذلك البرنامج الذي قدمته القناة الفضائية الليبية عام 2001م تحت عنوان (المنتدى) والذي يتم فيه الحوار حول مواضيع أدبية (8).
وهناك الكثير من البرامج التي كانت تقدم تحاور فكري حيث يتم فيه الحوار في موضوع الفكر والثقافة قدمت من خلال القنوات الفضائية نذكر منها على سبيل المثال الحوار الذي تم بين الكاتب بهاء طاهر من خلال قناة النيل للأخبار بتاريخ 4/6/2001م حول الإيديولوجيات وتشويه بعضها البعض مثل تشويه الإعلام الصهيوني صورة العرب أمام العالم وخاصة الغرب، كما قدمت نفس القناة ندوة بعنوان (الهند.. باكستان قراءة فيما وراء القمة) في 5/7/2001م كان الحوار فيها بشان مشكلة كشمير وكان الحوار فيها ثقافي حول موضوع سياسي شارك في تلك الندوة التحاورية محاورين ومتحاورين داخل الندوة وآخرين عن طريق الاتصال المباشر بالمتحاورين، وهناك برامج فضائية تحاوريه كثيرة كان يتم فيها الحوار لغرض غرس الثقافة بين الناس وهي متنوعة منها الرياضية والاجتماعية والسياسية والصحية والاقتصادية والمتخصصة بالشباب والأطفال والمرأة وغيرها وكلها هدفها التثقيف وتوعية الناس بالأمور الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والرياضية وغيرها. وما ينطبق على البرامج التحاورية الفضائية ينطبق على الوسائل والقنوات الأخرى التحاورية التي يدور فيها الحوار من اجل توعية وتثقيف الناس وتعريفهم بثقافات وحضارات الشعوب فالمهرجانات المحلية والإقليمية والدولية تعتبر احد تلك الوسائل فمهرجان البندوقية ومهرجان القاهرة ومهرجان كان والخاصة بالفن السابع (السينما) تعتبر احد تلك المهرجانات وكذلك المهرجانات الرياضية مثل كاس العالم لكرة القدم والألعاب الاولمبية. كما تعتبر المعسكرات والمخيمات الشبابية، وكذلك الندوات المختلفة والبرامج المسموعة عبر الراديو، والدروس والمناظرات بالجوامع والمساجد، فالمسجد وكما أسلفنا يعتبر وسيلة يتم فيها الحوار بين أمام المسجد والمصليين حيث فيه تنوير لعقول الكثيرين من الناس خاصة عندما يكون النقاش فيه حول موضوع يهم كل الناس. عندما يكون الحوار جديا وهاما فانه يعطي دورا هاما في التثقيف وصقل وتنوير الكثير، هذا ويعتبر الحوار بالمساجد من ضمن الحوار المفتوح التي تتصف بالحرية والديمقراطية في التعبير عن طريق الحوار الذي يدور عن التعريف بالثقافات العالمية المختلفة في المواضيع الأدبية والعلمية، وفي العادات والتقاليد يستطيع المتلقي للحوار والمتحاور اكتساب مزيد من العلوم والآداب العالمية ويتعرف على حضارات وثقافات مختلفة وفي هذا الشأن يشير احد المصادر إلى أن الحوار والمناظرات التي قامت بين علماء المسلمين واليهود والنصارى أدت إلى اهتمام العرب بدراسة العلوم الفلسفية اليونانية وذلك حتى يتمكنون من معرفة حضارات وثقافات الشعوب الأخرى ولتساعدهم في الدفاع عن الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية (9).
كما اعتبر حوار الحضارات وسيلة في إكساب الناس المزيد من الثقافة حيث يكتسب في ذلك الحوار وهو ” حوار الحضارات ” الكثير من المتحاورين ومن يستمع له خبرات ثقافية عن تلك الحضارات ويتضح الغموض عن تلك الحضارات وثقافاتها خاصة عندما يكون الحوار سليما ديمقراطيا معالجا لكل ما يعكر ثقافة المتحاور والمتلقين لموضوع الحوار وفي ذلك يقول الزعيم الهندي غاندي ما معناه:- ” افتح أبواب بيتي لكل الثقافات شرط إلا تقلعني من جذوري “.عن طريق الحوار سوف تتضح الرؤية لدى عدد كبير من المتلقيين والمستمعين للحوار وما تحويه تلك الثقافات من ايجابيات وسلبيات ويكون الحوار سببا في تنمية ثقافة المتحاورين والمتلقيين والمحاور على السواء فبهذا الحوار سوف تزداد الخبرة الثقافية ويكتسب عدد كبير من الناس الثقافة. هناك حوار يمكن أن يتجدد شريط أن يتم فيه عدد كبير من المتحاورين وان يكون حوارا مفتوحا للجميع مثل الصالونات الأدبية، ومثل القهاوي الشعبية كقهوة عبد الله بالقاهرة والتي أشار إليها الأستاذ محمود السعدني بان الدكتور عبد القادر القط احد أساتذة جامعة الأزهر يعتبر احد مؤسسي ندوة (قهوة عبد الله) وهي مقهى شعبي كان يجتمع فيه عدد كبير من الكتاب والمفكرين للمناقشة والتحاور في الأدب مع بعضهم البعض (10).
ونضيف هنا أن هناك حوار احتكاري وهو يكون حوارا مغلقا تحتكره قلة مثل ما كان يقوم في صالونات الأدب التي كان الحوار يتم فيها بين نخبة في حوار مغلق. إن الحوار الثقافي في هذه الصالونات أو المجالس الأدبية التي أطلقنا عليها احتكارية ” مجالس احتكارية ” ؛ لأنها مجالس قلة أمام كم هائل من الناس الذين هم في أمس الحاجة لما يدور من تحاور في هذه الصالونات والمجالس لكي يستفيدون منها خاصة عندما يكون الحوار بين أدباء كبار، كما يمكن أن نطلق على ثقافة هذه المجالس اسم ” الثقافة المغلقة ” أي ثقافة مغلقة على نفسها تخص عدد قليلة من الناس ولا يجوز أن يحضرها عدا الوسط المتكون في هذه الدائرة المغلقة، هذا الحوار المغلق في الثقافة لا يفيد ولا يعطي دورا في الثقافة، أما إذا كان الحوار مفتوحا من خلال المجالس والصالونات الأدبية ويحضره مجموعة كبيرة من الناس ويتحاورون فيه فان الحوار سوف يكون مفيدا ومفيدا جدا وسوف يساعد في ثقافة الكثير من الناس خاصة عندما تتنوع فيه المواضيع، وبالإمكان أن تلعب الملاعب الرياضية والقنوات الفضائية دوراً هاماً في نقل مثل هذا الحوار.
الهوامش:
- الطاهر احمد الزاوي، مختار القاموس، ( طرابلس- ليبيا )، ص 8.
- جبران مسعود، رائد الطلاب، ( بيروت – لبنان: دار العلم للملايين، ط1، 1967)، ص 307.
- محمد هيكل، ” الطفل دللناه بأفواهنا ولم نرعه بأعمالنا “، مجلة الثقافة العربية، العدد 8، السنة الثالثة، أغسطس 1976م،مطابع الثورة لطباعة والنشر، بنغازي – ليبيا، ص، ص 153، 154.
- عبد الله محمد الشريف ومحمد امحمد اطوير، دراسات في تاريخ المكتبات والوثائق والمخطوطات الليبية، ( مصراتة – ليبيا: الدار الليبية للنشر والتوزيع والإعلان، ط1، 1987 )، ص 30.
- ” برنامج مدرات ” القناة الفضائية المغربية 2001
- ” برنامج رئيس التحرير ” القناة الفضائية المصرية 2001
- ” برنامج مساء الخير” القناة الفضائية الجزائرية 2001
- ” برنامج المنتدى ” القناة الفضائية الليبية 2001
- عبد الله محمد الشريف ومحمد امحمد اطوير، مرجع سابق، ص 180.
- محمود السعدني، ” الناقد.. القط ” مجلة الدوحة، وزارة الإعلام بدولة قطر، شهر أكتوبر، ص16.