كان السكون مع الصمت المطبق. يخيم على الجمع الغفير. الذى تحلّق عليهما وسط ساحة القرية الترابية. كان المسن الذى تُغطى وجهه لحيته كثة. يكّسوها بياض اعوامه الثمانين. ممسك بيد الاخر. حدّق العرّاف ملياً في خطوط تضاريس اليد. ثم اشاح ببصره عنها. محتفظا باليد في قبضته اليمنى. ثم شرع يقول وهو مُركزا عينيه الضيقتين الحادتين في وجه الاخر:
– لا تحاول يا بُنى.. اعتلاء صهوة الصحراء. ان لم تكن سيدا من ساداتها.
– لا تحاول يا بُنى. حتى وان جاءك. مَن ولأمر في نفسه. ليُلجمها ويُسّرجها لك ويساعدك على اعتلاء ظهرها والاستواء عليه. وقد يرافقك لمراقبتها ولو الى حين. ولكن وبحواسه العديدة. ستعرف بان هذا الذى جاء ولأمر في نفسه. مبادر عارض عليك خدماته تلك. سياتي بعد حين مبادرا ايضا بالتخلي عنك.
عندها ستتدرع بصبرها الصحراوي. في انتظار تلك اللحظة. وعندما تأتى تلك. وتصير انت بحوزتها منفردا. وتستوحد بك فضاءات فيافيها المترامية الاطراف. حينها سينتابها جموح لا حدود له. يجّلدها بسياط من انتقام. فلا تهدى ولا تكف عن الانتفاض والهيجان. حتى تطرحك ارضا بين قدميها. وقد تشج رأسك بحافرها. فتسيل الدماء. لتغطى حيزا ليس بالقليل من صفحة وجهك المرعوب. بعدما تكون قد جرجرتك. سحّلا لا رحمة فيه. وانت متشبّث بلجامها. امام الاشهاد . في مشهد يستحيل محوه من ذاكرة الزمان.
– لا تحاول يا بنى. حتى وان جاء من ليهمس لك في ادنك. بانه سيكون ظهير لك عليها. فاعلم بان الصحراء تعرف ابنائها جيدا. فهي من عركتهم في جحيم اُتون تقلباتها القاسية. المتأرجحة ما بين النقيض ونقيضه. ومن ثم عجمتهم. فدفعت بهذا الى المتن. ليخطّه بأبجدية الصحراء السرمدية. وبالآخر الى الهامش. ليعيش حياة الاطراف في الحلّب والصرّ.
– لا تحاول يا بُنى. حتى وان استفرد بك. من يستعّديك على ذلك. في خلّوته البعيدة. فاعلم بان للصحراء مقامات ومراتب ايضا. لا تتسامح البتة مع من لا يقف عندها. فهى كانت تعلم ودائما. بان ابناء الهامش. عندما يندفعون نحو والى داخل المتن. سيخطونه بخربشات تستلهم السفه. وتسّتدعيه الى فضاءاتها. وسيعمْ حينها العبث. الذى سيجّرف الجميع الى الحضيض اللا مسؤل. في انحدر لا ريب فيه. الى الخراب والفناء.
ولكن عليك يا بُني. ان تعلم. بانه لا احد يقبل باستدعاء السفه الى فضاءاته. لتُجرّجرْ به الى الحضيض. نحو مهاوى الخراب والفناء. فلا احد يا بُنى. يقبل بذلك او يتقبّله. الا من عاش على الاطراف. وصاغه وشكّله الهامش. بمفرداته الرثّة الحاقدة.
فلا تحاول يا بنى. العبث مع الصحراء وبها. فاعلم بان للصحراء سنن لا ترحم العابث بها.
انتهى.
7- 9- 2020 م .